المحامي د. عبداللطيف عبدالله الخرجي
استاذ القانون في كليات الأصاله- الدمام
عضو الجمعية العمومية لجمعية ابتسام لمكافحة الاتجار بالأشخاص
تناول موضوع العقوبات البديلة والمستحدثة في القوانين الحديثة يثير جدلاً واسعاً، خاصة عندما يتعلّق الأمر بجرائم شديدة الحساسية كجرائم الاعتداء الجنسي. ومن أبرز هذه العقوبات المثيرة للجدل ما يُعرف بـ”الإخصاء الكيميائي”، وهو إجراء طبي يعتمد على استخدام أدوية معينة لتقليل الرغبة الجنسية لدى الجاني، ويُقترح أحيانًا كعقوبة بديلة أو مكمّلة لعقوبة السجن، وقد طُبّق بشكل طوعي أو إلزامي في بعض الدول. ومؤخراً، بدأت المملكة المتحدة في دراسة جعل هذا النوع من العقوبات إلزامياً لبعض مرتكبي الجرائم الجنسية، مما يفتح الباب للتساؤل حول مدى إمكانية تطبيق مثل هذه العقوبة في المملكة العربية السعودية، في ظل منظومة الشريعة الإسلامية التي تعد المرجعية الأساسية للتشريع·
يُعرف عن الشريعة الإسلامية أنها نظّمت العقوبات بما يحقق العدالة ويحفظ كرامة الإنسان ويحقق مقاصد الشريعة، من حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال· وتُقسَّم العقوبات فيها إلى حدود وقصاص وتعزير والاعتداءات الجنسية تخضع لأحكام الزنا أو اللواط أو التحرش، وفق طبيعة الفعل وثبوته شرعاً وعقوبات الحدود منصوص عليها ولا تقبل التبديل أو الاجتهاد في نوعها· أما العقوبات التعزيرية، فهي من صلاحيات ولي الأمر أو القاضي، وتخضع لتقدير المصلحة والمفسدة، مما يفتح الباب لاجتهادات أوسع في اختيار نوع العقوبة المناسبة التي تحقق الردع والإصلاح معاً·
ومع أن الأصل في العقوبات التعزيرية أن تكون مؤقتة وغير مُهينة، فإن استخدام الإخصاء الكيميائي – إذا كان دائماً أو يُحدث ضرراً جسدياً مستديماً – يثير إشكالات فقهية، منها تعارضه مع قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، ومبدأ حرمة الجسد الإنساني وإذا كان الأثر الناتج عن الإخصاء مؤقتاً وتحت إشراف طبي متخصص، فقد يرى بعض الفقهاء المعاصرين جواز استخدامه كوسيلة علاجية ضمن برامج التأهيل النفسي والسلوكي، وليس كعقوبة إلزامية مفروضة على الجاني دون رضاه، وذلك اتساقاً مع القواعد الفقهية التي تمنع الإكراه في ما يُعد نوعاً من الإيذاء البدني أو التعطيل الجسدي·
من الناحية النظامية، لم يُطرح حتى الآن في المملكة مشروع قانون يتبنى مثل هذه العقوبة، ويُحتمل أن تواجه معوقات تشريعية وحقوقية ودينية تحول دون اعتمادها· كما أن القضاء السعودي يملك أدوات تعزيرية متعددة، منها السجن، الجلد، النفي، والمنع من مزاولة العمل، فضلاً عن برامج التأهيل والعلاج النفسي، وهي أدوات يمكن أن تحقق الردع المطلوب دون الدخول في إشكالات فقهية معقدة·
وبناءً على ما تقدم، فإن اعتماد الإخصاء الكيميائي كعقوبة إلزامية في النظام القضائي السعودي يبدو غير متوافق حالياً مع الأصول الفقهية السائدة والمبادئ الشرعية المعتمدة، إلا إذا تم إدخاله كخيار علاجي مؤقت، وبضوابط صارمة، وفي حالات استثنائية تستوجب ذلك، على أن يُراعى فيها الجانب الإنساني والحقوقي للمحكوم عليه·