كي لاتموت الدهشة

لاشك أن قدرة الإشياء على إدهاشنا تُستمد من قدرتنا على فهمها كما هي، لا كما نريد وكذلك هي الأفكار لذا فمحاولاتنا وضعها في قالب ما ومن ثم تحويلها إلى مايمكننا فهمه ستفسدها حتماً فلا تعود بذات الألق وذات القدرة على إدهاشنا ولايعود بمقدورنا أن نراها كما هي.

هكذا هي الأفكار أطيار تحلق في فضاء العلم والمعرفة فإن أردت أن تنعم بغنائها ومتعة النظر إليها فلا أقل من أن تتحول إلى شجرةٍ وارفة الظلال وأن يتمدد عقلك كالأغصان وتصبح عيناك أوراقاً.

فالأفكار لديها ذات الإعتزاز الذي يملكه الإنسان حيال تكوينه وبناتها لايقبلن أن يسبين أو يمتهن والحديث هنا عن الأفكار الحقيقية.

وكما أن الأفكار التي لاتدون تتشضى فتغدو كأوصال نجمة عُلقت إلى سقف الكون بعدما تفجرت فلاتعود تلك المضيئة في قلب السماء ، فتقييد فكرة ما إلى تصور مسبق قد يفعل أكثر من ذلك وربما جعلها باهتةً بلا ضوء ودونما قيمة.

وهو أشبه مايكون بوضع صورة ما في إطار لايتوائم وحجمها وعدا أن يئد جمالها ويقتل مقاصدها فهو لن يفعل شيئاً.

وأياً كان مصدر الأفكار فهي ستسهم بشكل ما في تشييد البناء الفكري للأنسان وإثراء عقله.

لذا فالظن على الآخر المغاير بالقليل من الجهد الذي قد يوصل إلى فهم مايعني يفسد الدهشة التي إعتاد الحوار إرتدائها، ذلك الحوار المفترض بين فكرتين أختارتا فاهي حامليها لنقلها كما هي، لا كما نريد، وحين يفعل لايعود بالإمكان إعادة رتقه.

وعلى العكس تماماً تأتي محاولات فهم الرأي المغاير بفوائد لاحصر لها تبدأ بالإغناء الفكري ولاتنتهي بالنجاح الذي يكمن سره في تفهم الرأي الأخر كما قال هنري فورد.

وهو الذي يمكن من خلاله وأعني الإختلاف في الأراء خلق رافداً مهماً لوحدة الهدف من خلال إبقاءه في سهول التنوع والحيلولة دون وصوله إلى مناطق الخلاف الوعرة بحزم وصدق كالذين عناهما فولتير في مقولته الشهيرة: قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك.

هنا فقط سنبقي على الدهشة حاضرةً لتستمد منها العقول مايعين على إعمالها وسنشعر بها وهي تتسلل إلى عقولنا لا لتؤطرها بل لتطلق سراحها فتعاود التحليق في فضاء المعرفة الرحب.