اختبار الجودة على طاولة الجامعات!

لم تعد جائزة الملك عبد العزيز للجودة مجرد مناسبة سنوية لتكريم المؤسسات المتميزة، بل باتت معياراً تنافسياً مهماً قادراً على الإسهام في دعم أهداف التحول الوطني من خلال الارتقاء بأداء مختلف القطاعات في المملكة، بشكل يجعلها تواكب التقدم المعرفي والتقني، وتكون على مستوى الطموح بتحقيق رؤية 2030.

هذا الواقع يفترض أن يُنظر إليه بكثير من المسؤولية من قبل الجميع، فالنتائج التي يتم إعلانها في هذه الجائزة الوطنية المباركة، هي مؤشرات ينبغي الاستدلال بها على ما يتم تحقيقه من تطور في مجال وآخر، وهي كذلك دافع مهم لتطبيق ثقافة التقييم والتقويم لاكتشاف مواطن الخلل وصنع الفارق في جودة ومخرجات أي عمل.

خلال مشاركتي هذا العام في التغطية الإعلامية للجائزة، استوقفني فوز كل من الجامعة الإسلامية وجامعة المجمعة وكلية طب الأسنان بجامعة الملك عبد العزيز بالمستويات البرونزية والفضية في فئة التعليم العالي الحكومي، وهي إنجازات تستحق التهنئة بالطبع ولكنها في الوقت تطرح سؤالاً محدداً "أين بقية الجامعات؟ ولماذا لم تنجح أي جامعة لدينا في الفوز بالمستوى الذهبي؟".

هذا السؤال ينطلق من أهمية الدور المنتظر من الجامعات في المرحلة المقبلة، حيث لم يعد من المفيد اقتصارها على مفهوم المؤسسات التي تقدم التأهيل العلمي المجرد والتي تقتصر فوائدها على قاعات المحاضرات، بل لا بد من تحوّلها إلى محركات تنموية ترفد الاقتصاد بمخرجات البحث والابتكار ويشمل دورها تسهيل الانتقال إلى مفهوم مجتمع المعرفة، مع القدرة على إيجاد الحلول المرتبطة بحياة الناس اليومية، والتفاعل مع متطلبات العصر والاستجابة لاحتياجات ومتغيرات سوق العمل.

عدم الفوز ليس مشكلة في حد ذاته ولكن المشكلة هي في عدم وجود أسباب هذا الفوز، حيث لا يمكن فصل أبداً عدم تحقيق الجائزة عن وجود ضعف في جودة التعليم خصوصا في الجامعات، فالواقع يقول أنها جميعاً لم تستطع توفير المعايير المطلوبة للفوز ومنها حيث لا تتضمن هذه المنشآت الجامعية وجود فرق عمل متخصصة في الجودة ومدربة بشكل احترافي وذات خبرة عالية، كما لم تستعن بخبراء من خارجها لتقديم المساعدة في الجودة بدءاً من إعداد الخطط الى مرحلة التحسين.

هذا العجز في تحقيق المعايير يشمل أيضاً عدم قدرة الجامعات على موائمة البرامج الأكاديمية مع متطلبات سوق العمل وعدم تفعيل الشراكات مع الجامعات ذات السبق في الجودة سواءً كانت محلية او عالمية، إضافة إلى عدم توجيه الأبحاث العلمية التحليلية لدراسة الوضع الراهن داخل الجامعات وإيجاد الحلول المناسبة لها.

فضلاً عن ذلك، لم تقم الجامعات بأي خطوات عملية في الاستعانة برواد المجتمع والمفكرين وأرباب العمل بشكل منظم من خلال لجان دائمة او مجالس استشارية، كما أن خطوات السير نحو أتمتة السياسات والاجراءات مازالت تسير ببطء أو تبذل جهوداً تفتقد إلى القيمة الحقيقية المنشودة من التحول الذكي، والنابعة من فهمه أولاً.

ختاماً، هذا ليس انتقاداً محضاً ولكنه قياس على معايير الجائزة التي لم تنجح أي جامعة في تحقيق مستواها الذهبي، وكلي أمل أن ينتبه مسؤولو الجامعات إلى هذا المؤشر الواقعي الذي قدمته الجائزة للجميع، وليكن في مقدمة محفزاتهم على العمل هو أن المعايير التي تكشف مواقع الضعف، هي ذاتها التي ستبرز مكامن الكفاءة أمام الجميع في حال تحقيق الفوز، وهنا ستكون الجائزة الحقيقية للمنشآة وللوطن معاً.