وثائق سرية: إسرائيل فكرت في ضرب مصر بالنووي .. لماذا خافت؟

قالت صحيفة "هآرتس" أنها حصلت على 100 وثيقة مختلفة، بما في ذلك قصاصات ورقية ومذكرات ومسودات بخط اليد، بشأن أكثر الاجتماعات سرية في تاريخ إسرائيل النووي.

وكتبت الوثائق بخط يسرائيل غاليلي، الذي كان يشغل وزيرا دون حقيبة ومستشارا مقربا لرئيسي الوزراء ليفي إشكول وغولدا مئير، فيما تناولت مسودات أخرى كتابات بأيادي كبار القادة العسكريين.

وتطرقت العديد من الفقرات في هذه الوثائق إلى اجتماعات سرية عقدت خلال عامي 1962 و1963، جرت فيها مناقشة مستقبل المشروع النووي وتأثيره على جيران إسرائيل، وخاصة مصر.

أما ما يجعل هذه الوثائق غاية في الأهمية، فهو أنه لم يكن لتلك الاجتماعات محاضر رسمية حفاظا على سريتها.

لكن المثير في الوثائق السرية هو ما يتعلق بتفكير بعض القادة الإسرائيليين في استخدام السلاح النووي ضد مصر، بعدما تعرضت إسرائيل لصدمة عسكرية في السادس من أكتوبر عام 1973 جراء هجوم مصري مباغت على الجبهات في سيناء.

وبحسب ما ذكرته هذه الوثائق، فقد دار جدل بين المسؤولين الإسرائيليين بشأن تاريخ تشغيل مفاعل ديمونا، وكيفية إخفاء المشروع النووي عن المفتشين الأجانب، والأموال التي يتعين توفيرها لهذا المشروع الضخم.

وكان القلق يساور المسؤولين بشأن تسرب معلومات عن المشروع الذي جرى تشغيله سرا عام 1958، بعيدا عن علم الحكومة والكنيست بفضل اعتماده على التمويل من مصادر أجنبية.

فالاستمرار فيه يتطلب موارد مالية ضخمة، كما أن أي تطور نووي سينجم عنه تداعيات على اندماج إسرائيل في شبكة العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة.

ومن جهة أخرى، فإن مواصلة البرنامج النووي الإسرائيلي سيدفع بلدانا أخرى في المنطقة، خاصة مصر، إلى تطوير برنامج نووي عسكري خاص بها.

وقال كل من أرنان أزارياهو، الذراع الأيمن لغاليلي والقائد العسكري إيغال آلون، بعد عدة سنوات، إن هذه الاجتماعات خرجت بأكثر القرارات أهمية في تاريخ إسرائيل، عندما تم الاستقرار في نهاية الأمر على اعتماد سياسة الغموض النووي، وذلك عكس ما طرحه كل من ديان وبيريز بشأن الإعلان عن قدرات إسرائيل وتحويل معظم ميزانية الدفاع إلى مفاعل ديمونة.

وكانت سياسة الغموض النووي توفر ميزة كبيرة لإسرائيل، فقد قللت من دافع الدول المجاورة للشروع في المسار النووي، كما وفرت على إسرائيل اتخاذ خطوات كانت شائعة آنذاك من أجل إعلانها دولة نووية، مثل الإفصاح عن قدراتها النووية وإجراء اختبارات وتفعيل السلاح النووي.

وكان من شأن هذه الإجراءات أن تفسد الجهود الدولية التي كانت تقودها الولايات المتحدة ضد الانتشار النووي.

وتناولت الاجتماعات السرية القلق لدى القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم غاليلي من تطوير مصر لمشروع نووي ردا على مشروع نووي إسرائيلي علني.

وتناولت الاجتماعات مجموعة من القضايا المتعلقة بالموضوع، فعلى سبيل المثال، كان غاليلي منزعجا للغاية وأعرب عن قلقه العميق من أهمية هذا التطور بالنسبة لمصر، متخوفا من أن يدفع المشروع الرئيس جمال عبد الناصر إلى شن حرب وقائية ضد "هدف مبرر"، وأيضا إلى تطوير مشروع نووي مصري.

وبينما كان هناك اتفاق غير رسمي عام 1962 بالاستمرار في تطوير المفاعل، فإن وثائق غاليلي أكدت على أنه لم يكن لدى الحكومة الإسرائيلية قرارا بتصنيع أسلحة ذرية.

وبعبارة أخرى، فقد استمرت إسرائيل في إعداد خياراتها النووية في حال بدأت أي دولة مجاورة في مشروع نووي عسكري، لكن الإسرائيليين لم يكونوا قد وصلوا في هذا الوقت إلى الدورة النووية الكاملة.

وظل قرار عام 1962 بشأن تطوير المفاعل وتبني سياسة الغموض مستمرا، حتى تقرر في عام 1969 وقف الزيارات الأميركية إلى ديمونا وفق مذكرة تفاهم سرية بين الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ورئيسة الوزراء غولدا مائير، ونصت على عدم الإفصاح عن وصول إسرائيل إلى العتبة النووية.

 

ففي الساعة الثاثة بعد ظهر الثامن من أكتوبر عام 1973، وصل وزير الدفاع وقتها موشي ديان مذعورا للقاء غولدا مائير، حيث أخبرها بضرورة تفعيل ما يعرف بـ"الخيار النهائي"، في إشارة إلى ضرب مصر نوويا.

وكان غاليلي في الغرفة حينها، وتحول وجهه إلى اللون الأصفر، حسب "هآرتس"، سائلا ديان إذا ما كان قد فقد عقله، لكن وزير الدفاع كان مصرا على هذا الإجراء، متحدثا عن ضرورة اللجوء إلى الخيار النووي.

وقبل الاجتماع، أبلغ ديان بالفعل رئيس الأركان حينها ديفيد أليعازر وقائد القوات الجوية موردخاي هود، بوضع القوات الجوية في حالة تأهب، لكن رئيس الأركان عارض الأوامر.

وعقد اجتماع آخر بمشاركة المدير العام لهيئة الطاقة الذرية في إسرائيل شالفيت فريير، الذي كان متفقا مع ديان، لكنه أوضح لمائير أنه لن يحدث أي شيء دون إذن منها.

لكن مساعد رئيسة الوزراء الإسرائيلية للشؤون العسكرية يسرائيل ليئور، طلب من الرجلين أن ينسيا هذه الفكرة تماما.

وفي حين تناولت العديد من الكتابات الجوانب النووية في حرب 1973، فإن الوثائق التي كشفتها "هآرتس" تشير إلى أن القيادة الإسرائيلية لم تجر أي استعدادات ملموسة لتفعيل الخيار الأخير.