والدي أعظم من شكسبير

يأنس الإنسان بقرب والديه وبالحديث إليهم، غير أن جلسة عفوية مع والدي حفظه الله جعلتني أكتشف ما هو أكثر من مجرد السؤال عن الحال والاطمئنان على الصحة وشؤون الأهل جميعاً، إذ لم تمض دقائق معدودة حتى وجدت نفسي أمام حوار جديد بالنسبة لي، حيث قدم والدي تحليلاً عن أسعار النفط العالمية وأثرها الاقتصادي المتوقع، كما ناقشني مطولاً حول مراوغة النظام التركي مع المملكة، لتنتقل دفة الحديث بعدها إلى دور وزارة التجارة في مكافحة الغش، وإلى وسائل التواصل الاجتماعي وما تسببه من متلازمات على الأطفال بشكل خاص.

ولم ينته ذلك الحوار الشيق قبل أن يحدثني والدي عن راحة النفس وارتباط السعادة بالبعد عن الخوض في التفاصيل ومحاولات الانتصار للرأي على حساب طاقة الإنسان وعقله، ورغم أنني لم أقلل يوماً من الحكمة الفطرية التي يملكها الوالد بحكم تجربته التي تتغلب على محدودية سنواته الدراسية، إلا أنني توقفت لوهلة عند الردود والآراء المبهرة التي لمستها أثناء الحوار معه، والتي تنم عن ثقافة وإلمام بمجموعة من المعارف الحديثة التي تم اكتسابها على درجة عالية من الإتقان مع تشكيل الوعي والموقف الخاص بكل منها، وبطريقة لم أستطع مجاراتها رغم أنني أعمل لسنوات في المجال الإعلامي فضلاً عن انهماكي في مجال الدراسات العليا.

لم أستطع منع نفسي من سؤاله عن سر هذه المعلومات غير أن الإجابة لم تخطر في بالي حتى نطقها بكل بساطة قائلا "إنه الواتس اب"!.. فبرنامج المحادثة الفورية الذي نستخدمه عادة في تبادل النكات والتعليقات كان بالنسبة لوالدي مصدر معلومات وأخبار وتحليلات متعددة، حيث نجح في تحويله إلى مصدر تثقيف ذاتي ومنصة لإعمال التفكير والفهم لما يجري من أحداث، مختاراً المصادر الصحيحة والموثوقة لكل المحتوى الذي يتلقاه، وهو العكس تماماً لما عرفه الناس من ارتباط نمطي لهذا البرنامج بالإشاعات والخرافات والمعلومات المغلوطة.

لا يكاد الواتس اب يغيب عن 30 مليون مستخدم للإنترنت في السعودية، يمثلون جزءاً فقط من مليار ونصف مستخدم نشط لهذا البرنامج حول العالم، ولو استطعنا تفعيل أسلوب ناجح في تعاملنا الشخصي والجمعي مع الواتس اب فإن مكتسبات هائلة من الثقافة والمعرفة ستصب في رصيد مجتمعنا ونتاجه الفكري والإبداعي، ذلك أن كل منصة رقمية يمكن الاستفادة منها إلى حدها الأقصى إذا عرفنا كيفية ذلك، كما أن بعض المنصات تملك من التأثير الثقافي والإعلامي وسرعة الوصول واتساع الانتشار وسهولة التفاعل ما لا تملكه قنوات إعلامية وملتقيات ثقافية، وهذا ليس افتراضاً، بل هو حقيقة لمستها في كل إجابة من إجابات والدي خلال حوارنا الثري!