الطريق المتطرف لتفخيخ الـعقول الـبشرية

تُعدّ عمليات الاستقطاب الفكري التي يتبعها وينتهجها قادة وأتباع الاتجاهات والأفكار المتطرفة ، من أهم وأبرز عوامل التدمير والانحراف والتخريب الفكري على مستوى الأفراد والمجتمعات, لا سيما مع تنوع وسائل تلك الاتجاهات المتطرفة واختلاف أساليبهم المؤثرة والممنهجة.

خاصة الموجهة ضد الشباب ناهيك عن أهدافهم الاستراتيجية ذات الطابع التخريبي والفوضوي على جميع المستويات بهدف جعل المجتمعات غير آمنة وغير مستقرة والأفراد متناحرين متخاصمين ويكونون تحت السيطرة الفكرية من قبل أشخاص وتيارات وكيانات معادية لأوطانهم, وتسعى جاهدة لتدميرها وتخريبها وفق أهدافهم السلبية التحريضية.

ان المشكلة لا تكمن في آلية ذلك الاستقطاب أو في زيادة معتنقيه، بقدر ما تكون من تداعياته ونتائجه التي تؤثر - بلا شك - على مرتكزات الأمن والاستقرار على مستوى الأفراد والمجتمعات, خاصة المجتمعات الشبابية، وذلك من خلال الجرائم التي تُرتكب بسببه, والتي تستهدف رجالات الدولة, ورجال الأمن والتنمية, بل وتطال الأبرياء من المواطنين والمقيمين, ناهيك عن آثاره السلبية على المستوى الاقتصادي والفكري والاجتماعي والسياسي وغيرها.

ويرى المختصين الأمنيين والاجتماعيين بأن عمليات الاستقطاب تُعدّ خطراً عظيماً وداءً عضالاً يهدد شباب الأمة في ظل التخريب الفكري الذي يستهدفهم ليقعوا في التيارات الضالة ويعرضوا حياتهم وحياة من حولهم للخطر المحدق.

ويرى كذلك بعض المختصين في علمي الاجتماع والنفس بأن عمليات غسيل الدماغ من القضايا أو المصطلحات كثيرة الغموض والإثارة, ويزداد ذلك الغموض عندما يُدرك بأن تلك العمليات لم تعد قاصرة على الأهداف التقليدية في مجال توجيه الفكر والسلوك الانساني للفرد ضد ارداته وعقله مستخدمة في ذلك وسائلها المتعددة في سلبهما بل وغسل دماغه ثم شحنه بأفكار مضادة لتلك التي يعتنقها.

وفي ذلك صنف الطبيب النفسي المتخصص في الدوافع النفسية للحرب والإرهاب (روبرت جاي ليفتون) العناوين الشمولية الثمانية لاستقطاب العقول المفخخة بثمان مبادئ :

أولها: السيطرة على المحيط: ويقصد به السيطرة على اتصالات الفرد المستهدف من الاستقطاب مع العالم الخارجي, ومن ثم إدراكه للواقع المفروض عليه ايدلوجياً بغية جعله يتقبل وينفذ ما يُملى عليه وينساق بلا نقاش.

ثانيها: التلاعب الغيبي: وذلك عن طريق دغدغة عواطفه الدينية ومشاعره الإنسانية والرؤى والمنامات بطريقة تبدو فيها بأنها تلقائية ويكون بشكل مرحلي مصحوب بحالات تقييم الطرق المستخدمة للحصول على التأثير الايدلوجي عليه.

ثالثها: الحاجة الى النقاء: بإعتقاده بأن العناصر الموجودة خارج محيطه الايدلوجي المختار له يستوجب حذفها لمنعها من تلويث عقول أعضاء المجموعة المستهدفة (كما يتوقعون).

رابعها: عقيدة الاعتراف: وذلك بإستخدام الشعور بالإصرار على الاعتراف بكل شئ أمام قادة التطرف والإرهاب لتقليل خصوصيته بل وحتى المساومة في حال عدم توافقه معهم أو محاولة الابلاغ عنهم.

خامسها: العلم المقدس: من خلال تصوير العقائد الأساسية للمذهب الفكري المتطرف بالقداسة وعدم قابليتها للطعن والتشكيك فيها ومحاولة جعلها ذات دلالات اخلاقية وحقائق علمية, وهو ما يزيد في سلطتها الظاهرة.

سادسها: تحميل اللغة: من خلال ضعف الأفكار المعقدة في عبارات مختصرة تبدو حازمة, كليشيهات انهاء التفكير.
سابعها: صدارة العقيدة على الفرد: وتقوم على فكرة أن العقيدة المتطرفة أكثر حقاً وواقعية من أي شيء يختبره أي فرد من البشر.

وآخرها: سلب الوجود: من خلال ترسيخ القناعة والاعتقاد بأن له الحق في السيطرة على نوعية الحياة والمصير النهائي لكل من أعضاء التنظيم وغير الأعضاء.

يرى الخبراء الأمنيين ومختصي علم الاجتماع المعرفي بأن التطرف وعمليات الاستقطاب المصاحبة له لم تُعد قضية أمنية بحتة يتم معالجتها بالإجراءات الأمنية, فالكثير من هذه المعالجات على المدى البعيد لا تحقق الهدف الأكبر وهو تحقيق التحصين الفكري الذي يحمي المجتمع من هذا الخطر الدائم المحيط به.

لذا, فالحذر الحذر من قادة التدمير والتأثير نحو التطرف الفكري, الذين بداوا يتكثرون عبر وسائل الاعلام الجديد وبأساليب مختلفة من العاب الكترونية وتعليقات ملغمة وأساليب مدمرة محرضة, فأبناء الوطن من ذكور, وأناث أمانة في عنق كل مواطن شريف غيور على وطنه وابناءه المخلصين.

ومن أهم وأنجع طريقة لتحقيق الحصانة الفكرية يأتي عبر التكامل والمشاركة المجتمعية بين جميع أجهزة الدولة سواء الحكومية او الأهلية أو التطوعية بجميع وسائل التواصل التقليدية والحديثة لمحاربة ذلك الداء (التطرف) الذي بدأ يفتك بالمجتمعات البشرية على مستوى العالم.

وعلى مشاهير وقادة السوشيل ميديا العبء الأكبر في تلك المحاربة من خلال المشاركة الجدية وبدون استحياء مع الاستعانة بالخبراء والمختصين في المجالات السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والمعتدلين من أشخاص وكيانات مما يملكون التأثير الاجتماعي الواسع والمقبولين اجتماعياً, فهناك قاعدة منطقية في المكافحة الفكرية تقول:

"الفكر بالفكر... والجريمة بالعقاب".

* باحث في شؤون قضايا التطرف الفكري.