زائر غير مرغوب فيه

يجب أن نتفق جميعاً على أن لدينا فهم خاطئ ولبس كبير في مسألة التواصل، وأننا أصبحنا نتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يجب أن يكون عليه، والتواصل الذي أعنيه هنا هي الجسور التي نعبر من خلالها لتوطيد علاقاتنا مع غيرنا، والقيام بواجبنا كمجتمع مسلم يتطلب من أفراده أن يقوموا بواجب الزيارة والتواصل والسؤال عمن يرتبطون معهم بعلاقة قرابة أو عمل أو جوار.

نحن نتسبب كثيراً في هدم تلك الجسور؛ عندما نتمادى في حديثنا أو سؤالنا عن أشياء لا تخصنا، أو نطلق لأنفسنا العنان للتدخل في شؤون غيرنا، أو نختار الأوقات غير المناسبة لحديثنا وزياراتنا، أو نسرف في التردد على بيوت الناس ومكاتبهم بداع وغير داع.

لا شك أن الوقوع في مثل هذه المواقف هو مدعاة للغط، ومثار مباشر للنقاشات التي لا تخرج في مجملها عن المهاترات، وغيبة الناس، وتبادل الصراخ، وكأن الغرض من الزيارة ليس التواصل والقيام بواجب الزيارة وإنما البحث عن مكان جديد لتفريغ النفايات التي يحملها الكثير من الناس في نفوسهم.

ومن الغريب جداً لدرجة الدهشة، أن يوصف الإنسان المتجنب لمجالس اللغط وفحش القول بالمريض النفسي، أو يصنفونه انطوائياً يفضل العزلة على مخالطتهم، بينما يتصرف هو كما يفترض أن يكون، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذراً من تلك التصرفات: "من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه"

ويقول الروائي الروسي فيدور دوستويفسكي: إنني أشعر كلما دخلت على بعض الناس أنني أسوأ من الآخرين، وأن الجميع يعدونني مهرجاً، فأقول في نفسي عندئذ: فليكن سأقوم بدور المهرج لأنكم جميعاً أكثر مني غباوةً وأخبث سريرة، وهو تلخيص واقعي لما أصبح عليه الكثير من الناس من سوء الظن وازدراء الآخرين بسبب وبدون سبب، فتجد من يحكم على الآخرين من أشكالهم أو من أسمائهم أو من ألوانهم، أو يرى نفسه مبدعاً في إطلاق الأوصاف التي يظن أنها مضحكةً وأنه مبدع في اقتناصها وإلصاقها بهم، في حين يكون الطرف الآخر في أحيان كثيرة أعلى منزلةً وأجل قدراً منه .. فيا حمرة الخجل أين أنتي؟

ويقول الحكيم الفارسي بزرجمهر : من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان وضيعاً، وبعد صيته وإن كان حاملاً، وساد وإن كان غريباً، وكثرت الحاجة إليه وإن كان فقيراً، فيجب على الإنسان أن يكون مؤدباً مع الناس، متحلياً بأفضل الصفات والأخلاق وإلا فجلوسه في بيته أفضل من زيارته لغيره، لأن الهدف من الزيارة كما ذكرنا هو التواصل وتفقد أحوال الأقارب والأصدقاء والجيران، وليس التطفل وكثرة المزاح الذي إن زاد عن حده فقد يجلب الويلات مثلما قال عنه أكثم بن صيفي:  قد يشهر السلاح في بعض المزاح.