آفة الرأي الهوى

الاحتمالات التي نفترضها عن حيواتنا وعما تعج به من مفاهيم لاتعدو عن كونها تكهنات وتخرصات تنسب إلى عوامل عدة أهمها هو ماوقر في عقولنا وتشربته أفئدتنا من علمٍ ومعرفة وماورثنا من مقدرة وطاقة، تشكل الأساس الفكري لبناء العقل البشري.

هي ليست حقائق ثابتة ولايمكن أن نعتبرها كذلك، فمايُفهم من خلال العقل ولايحاط به من خلال الحواس يملك خاصية إستثنائية إذ يمكن أن يتشظى إلى ملايين الأفكار التي لاتشبه إحداها الأخرى ولكنها تبقى بذات الجينات التي تنمو بمزاوجتها مع أخيلة متفاوتة السعة ومتباينة الرحابة.

إذا هي مساحة الإختلاف التي خلقها التنوع البشري من حيث العقل والخيال ذلك الذي فضله آنشتاين في مقولتة: الخيال أهم من المعرفة، وماعناه من غاية تستلزم إطلاق الأخيلة لإصطيادها، وهي كإطلاق خيول في فلاة والنظر إلى أيها أكثر مقدرة على سبر أبعادها.

تلكم المساحة التي تضيق وتتسع حسبما نريد حتى في فهمنا للأشياء من حولنا هي الأداة التي تشكل تلك التكهنات وذلكم التخرص وهي أيضاً التي تفصل بين رأي وأخر ورغبة وأخرى فيما يخص النظر إلى المفاهيم الحياتية والمسائل الفكرية والفلسفية وإلى أربابها وهنا فقط تتدخل الرغبة كمفرزة تمر من خلالها تلك المسائل وتختفي حين نبدأ في حشو عقولنا بالذي نحتاج منها ونألف.
ومن ثم النظر إليه على أنه صواب يحتمل الخطأ فيما رأي الأخر خطأ يحتمل الصواب كما كان ينظر الشافعي رحمه الله إلى من كان يخالفه الرأي.

وعدا عن أن الإيمان بذلك سيؤمن نفاذاً مثالياً إلى فضاء الإثراء عبر حوار هاديء متوازن فهو سينعكس إيجاباً على العلاقات الإجتماعية التي بدأت تتفسخ شيئاً فشيئاً حتى بدت أقوى عُراها صدئةً مهترئة، كما بدا المتحاورون كالراديكاليين الذي يجلسون إلى طاولة مستديرة ليتفاوضوا مع ممثلي نظام إقطاعي.

ولاشك أن الإيمان بمبدأ الشافعي ومن ثم مزاولته سمو منزلة ونبل ذات لن يبلغهما من حال دون عليائه حقدٌ دفين وصرفه عن رفعته قلب سقيم، فآفة الرأي الهوى كما قال أكثم بن صيفي ومن لم يستطع فصلاً بين الحقيقة ومايريد لن ينعم بسعة المعرفة فضلاً عن رغد الرأي وسديده.