من فضلك أعد قراءة التاريخ

لاشك أننا حين نتأثر بما نتمنى أن نؤمن به وبما تنساق إليه جوارحنا ظناً بأن له أثراً جميلاً على حياتنا فنحن نرتكب خطأ فكرياً جسيماً، ذا تبعات ممتدة.

فما نريد أن نؤمن به ليس حكيماً في الغالب لأنه قلما يخضع لمنظور الحقيقة فلايزنه العقل ليرجح صحته، ولايفحصه المنطق ليتبين صوابه، وبذلك لايعدو عن كونه منقولاً وافق هوى.

تأتي هذه القاعدة الفلسفية لتشكل أساساً لمنهج فكري حصيف إن تأتى له أن يتعاطى مع كل مانرى ونسمع بآناة وتؤدة تغفلان مانتمنى ونآمل إلى حين تمحيص وتحقيق، فقد كبح جماح الهوى وقدم العقل سيداً على نفسه.

وسمح لنا أن نبني على أساس تلك القاعدة الفلسفية فلسفة أخرى هي اللبنة الأهم في بناء الفكر وتتلخص في أن إمكانية حدوث أمر ما لاتكفي دون دليل وبرهان تقيمان الحجة على كل ذي لب. وأن ما ثبت دليل وقوعه وبرهنت الحجة حدوثه أمكن للعقل قبوله.

وهي قاعدة تنورية رصينة فعدا عن كونها تبوب مايشكل قناعتنا على المستوى العلمي والمعرفي فهي أيضاً تنظم ما يتناقله الآخرون فيبلغ مبلغ لايعلم الراسخون فكراً كيف فعل، ولاتستثني أمراً سخف شأنه أو عظم.

أحد العلوم المهمة التي إفتقدت في جل مانقلت إلى تلكم القاعدتين هو التاريخ فبالرغم من أهميته وتأثيره إلا أنه إفتقد إلى المنهجية والقواعد المتبعة في علم الحديث مثلاً فعدا عما ورد في كتاب الله جل وعلا من قَصص وماثبت سنده مما رواه النبي ﷺ لانستطيع الجزم بصحة رواية ما لتبقى مثار بحث وتآمل ولعل ماأورده إبن خلدون في مقدمته يؤيد ذلك فقد ذكر أن إعتماد المؤرخين على مجرد النقل أوقعهم في أخطاء الحكايات والوقائع بل أسماهم أئمة النقل في إشارة إلى أنهم لم يفعلوا سوى نقل ماسمعوا.

ويذهب أيضاً إبن جرير الطبري الذي يعتبره البعض إمام المؤرخين في مقدمة كتابه تاريخ الأمم والملوك إلى أكثر من ذلك فيقول إذا قرأتم في كتابي هذا خبراً إستشنعه السامعون فليست العهدة علي وإنما على من نقله.

فإن كان أغلب مانقل في التاريخ نقل عن كتاب تاريخ الأمم والملوك الذي سبقهم الطبري في تأليفه نقلاً لا مشاهدة فهذا يعني بلا شك أن جل ماوصل إلينا منقول لاسند له وأن لاموثوق فيما تضمنه هذا العلم بشقيه العام الذي يُعنى بتايخ الحضارات والأمم والبشرية جمعاء والخاص الذي تحدث عنا كأمة.