كم إعلامي في أقسام وكليات الإعلام ؟

مازال التأهيل الإعلامي يمثل مشكلة حقيقية يجب النظر إليها بمزيد من الجدية إذا كنا نريد الوصول لإعلام يمكن المراهنة عليه كأداة فاعلة للتأثير المحلي والإقليمي والإعلامي.

وهدف كهذا لا يمكن تحقيقه بمجرد انتقاد الظواهر التي نراها في الإعلام بشكليه التقليدي والجديد وإنما بفهم هذه الظواهر على أنها جميعها نتائج لمشكلات ينبغي العمل على حلها من الأساس.

أعداد كبيرة من الخريجين المؤهلين أكاديمياً تنضم كل عام إلى سوق العمل الإعلامي ولكن هذا لم يصنع الفارق المتوقع في تطوير الأداء ولا على مستوى المخرجات التي نراها عبر المنصات المختلفة، فقد ظل هذا المجال حكراً للعمل النمطي الذي يضعه في خانة الوظيفة المجردة، رغم أنه مجال يتطلب مسؤولية عالية تجاه الإبداع والابتكار وليس تجاه المهنية وحدها.

وكي نعود إلى أساس المشكلة فنحن نتحدث عن خريج إعلام التحق بهذا التخصص الجامعي دون أدنى معرفة به، وربما دون أي رغبة في هذه المعرفة، وإنما لعدم وجود فرصة في تخصص آخر وذلك بسبب ضعفه التحصيلي في الثانوية العامة بالاضافة أن تخصصه شرعي والتي قد يرى البعض انها لا تثير التفكير وإيجاد الحلول وإنما تعتمد على الحفظ، أو تحت إلحاح الرغبة في امتلاك شهادة جامعية ليس إلا.

وبالتالي فهذا الإعلامي -على الأقل من الناحية العلمية – لن يكون مؤهلاَ لتقديم أي إضافة على الناحية العملية لمجاله، والأسباب هنا لا تتعلق فقط بقدرات شخصية ومهنية وإنما تتصل كذلك بما يريده الإعلام في وقتنا الراهن.

يدخل الإعلامي الخريج غمار العمل محملاً بمجموعة من النظريات والمدارس الإعلامية والمعلومات التاريخية والتي لا يمكن التقليل من أهميتها بالطبع، ولكن لا بد في المقابل من الاتفاق على أنها ليست العناصر الفعلية التي ستصنع نجاح هذا الإعلامي بقدر ما سيصنعه هو بمقدراته الشخصية ومهاراته وثقافته وإلمامه بلغة العصر وقدرته على تطوير أدائه وأدواته وتقييم وتقويم محتواه، حتى يستطيع خدمة مجاله عبر تقديم نفسه بالطريقة الأفضل للجمهور المستهدف.

على الجانب الآخر من الصورة نجد في المشهد نماذج لا حصر لها من الذين يصفون أنفسهم بالإعلاميين دون أدنى معيار علمي أو مهني لهذا الوصف، والذين لم يكونوا سوى مخرجات رديئة لوسائل الإعلام الجديد التي قامت بتصدير هذه النماذج عبر المنصات المرئية والمقروءة والمسموعة، وكانت النتيجة انحداراً في مستوى المحتوى المقدم للجمهور، وغياباً للمعايير التي يتم بها تقديم هذا المحتوى، فضلاً عن المشكلة الأبرز وهي اعتبار الإعلام مهنة، لمن لا مهنة له.

لقد حان الوقت لحل هذه المفارقات وفق أسس علمية وتنظيمية تصب في صالح الإعلام الذي يعيش اليوم مرحلة تحولات وتحديات كبيرة من أجل إثبات وجوده وإيصال رسالته، ويبدأ الحل من تطبيق المعايير الحقيقية لهذه المهنة التي تتطلب قدرات معينة يجب الاعتراف بعدم توفرها لدى الجميع.

وفي المقابل فإن الذين يملكون هذه القدرات يجب أن يستفيد منهم الوطن بأفضل طريقة ممكنة، سواء كانوا من خريجي الكليات الإعلامية أو كانوا من الكفاءات الشابة الموهوبة عموماً.

الحلول كثيرة تشمل إيجاد معيار مهني يتم تطبيقه لتقنين وصف "إعلامي" وقصر استخدام هذه الصفة والتعامل بها على المؤهلين –علمياً وعملياً- فقط، بالإضافة إلى تفعيل دور التدريب المتخصص المواكب لمستجدات الإعلام مع الاستفادة من تجاربه وتقنياته المختلفة، وتطبيق آلية يتم فيها التأكد من وجود الرغبة والاستعداد والدافعية لدى طلاب كليات الإعلام ورصد مؤشرات التعلم والأداء، لضمان تحسين جودة المخرجات بما يرفع احترافية مجالنا الإعلامي ويضاعف تأثيره.