صفقة تلفزيونية سرية.. عرض كأس العالم المغري من قطر إلى الفيفا

كانت الدولة الخليجية الصغيرة في أمس الحاجة لاستضافة أكبر حدث رياضي في العالم. وتظهر صفقة تلفزيونية سرية كبيرة التي كسرت كافة القواعد والقوانين كيف كانت قطر مستعدة للقيام بأي شيء في سبيل ذلك

لقد وصل صراع ملفات الاستضافة في بطولتي كأس العالم 2018 و2022 إلى أعنف حالاته، وكانت تتنافس تسع دول على أملٍ في أن تكون جائزة استضافة أكبر مسابقة كرة قدم في العالم من نصيبها. يعود تاريخ أحداث القصة إلى نوفمبر 2010، ولك أن تتخيل أن إنجلترا نفسها كانت من بين الطامحين للظفر بحلم الاستضافة.

لكن اسم دولة قطر الصغيرة برز ليكون من بين أقل المتقدمين احتماليةً للفوز – وكانت الشائعات المتناقلة تتحدث عن أن قطر قد تواصل المنافسة حتى الرمق الأخير. لكن قطر – وراء الكواليس – كانت تجري صفقات لكسب الأصوات الثلاثة عشر التي كانت مفصلية ومهمة في ملف استضافتها.

ومع كل هذا، لم تدع قطر أي مجالٍ للصدفة التي قد تقلب الموازين. وهكذا، وقبل 21 يوماً من فرز الأصوات، قامت قطر بتقديم عرضٍ هائلٍ من نوعية عروض – اقبل العرض أو اتركه. لقد كان من شأن هذا العرض أن يثير غضب المتنافسين الآخرين في حال وصلتهم أخبارٌ عنه، لكنه بالطبع كان عرضًا في طور الكتمان والسرية.

لقد تم تسريب تفاصيل العرض غير المسبوق الذي تبلغ قيمته 400 مليون دولار للفيفا في هيئة حقوقٍ للبث التلفزيوني في وثائق باتت الآن في حوزة صحيفة صنداي تايمز. وإن جزءًا من هذا المبلغ جاء في شكل رسوم نجاح قدرها 100 مليون دولار بحيث يتم دفعها إلى حساب مخصص للفيفا متى ما تمكنت قطر من الفوز بحق استضافة مونديال 2022.

وقد تم تقديم هذا المبلغ كجزء من عقد حقوق بثٍ تلفزيوني من قبل قناة الجزيرة القطرية، التي يملكها أمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

وبما أن الأمير كان القوة المحركة المسؤولة وراء هذا العرض، فإن الصفقة تمثل تضارب واضح في مصالح الفيفا. عطفًا على كونه خرقًا صارخًا لقوانينها وأنظمتها الخاصة، التي تمنع الدول المتنافسة من تقديم أية عروضٍ مالية تتعلق بالأصوات إلى مجلس إدارة الفيفا.

وقد مضى سيب بلاتر، رئيس الفيفا آنذاك، والأمين العام للفيفا جيروم فالكيه، في إتمام الصفقة وتوقيع العقد بعد أسبوع من فوز قطر بحق التنظيم في ديسمبر 2010.

وبقيت تفاصيل العقد في طور السرية منذ ذلك الحين – على الرغم من ادعاءات الفيفا أنها تعاملت مع تبعات هذه الفضائح التي كانت سببًا في الإطاحة برئاسة الفيفا. يُذكر أن بعض المدفوعات المتفق عليها من ذلك العقد يجري إيداعها الآن في حسابات الفيفا.

وفي الليلة الماضية، قام داميان كولينز الذي يرأس لجنة الثقافة والإعلام واللجنة الرياضية في مجلس العموم، بتوجيه دعوةٍ للفيفا لتجميد تلك المدفوعات وتكليف لجنة أخلاقياتها للتحقيق في هذه الصفقة. وقال داميان: "يبدو أن هذا الأمر يمثل خرقًا واضحًا للقوانين".

إن احتضان وتنظيم بطولة كأس العالم في الدولة الصحراوية بدأ بحلمٍ لم يكن من الوارد حدوثه وهو اكتشاف النفط. لقد كانت درجات الحرارة في قطر مرتفعة للغاية لممارسة كرة القدم التنافسية في فصل الصيف، ولم يكن لتلك الدولة أي تقاليد أو إرثٍ في عالم كرة القدم ولم تكن بنيتها التحتية مهيأة لاحتضان أكبر منافسة رياضية في العالم.

لكن حلم النفط كان من نصيب الرجل ذي الثروات الطائلة، ألا وهو حمد بن خليفة. لقد قام الرجل الطويل العريض المنكبين، بالإطاحة بوالده للسيطرة على الدولة التي تعتبر أغنى دول العالم ثروةً بالقياس على عدد السكان. وبعد أن أضحى حمد أميرًا للبلاد، تمكن من السيطرة على كافة موارد البلاد المالية.

لقد خطط الأمير لعصرنة قطر من خلال تحويلها إلى مركز دولي يحتضن الأحداث الرياضية. وبما أن كأس العالم هي أسمى الأهداف الرياضية، فقد قام بتخصيص مبالغ كبيرة للجنة ملف الاستضافة القطري، التي أعلنت ترشيحها في مارس 2009.

لقد تم حشد كافة أجهزة الدولة بالكامل لدعم ملف الاستضافة. وقام "الديوان الأميري" – مكتب أمير البلاد – بإرسال تعميمٍ إلى جميع الوزارات والمنظمات الحكومية الأخرى للتعاون مع فريق ملف استضافة الحدث.

وخلال الأشهر الثمانية عشر التالية، قام حمد بتنفيذ دوره الخاص في ملف الاستضافة هذا، حيث قام بلقاء بلاتر وغيره من الناخبين الرئيسيين في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) التي تضم 24 شخصًا والتي تتولى مسؤولية اختيار الملف المستضيف لكأس العالم.

كما كشفت صحيفة "صنداي تايمز" في تقريرها عن "ملفات فيفا لعام 2014"، إن أحد أهم الأصول القطرية التي تم استخدامها هو أعلى مسؤوليها في رياضة كرة القدم، محمد بن همام، الذي استخدم أموال الرشوة السرية لتقديم عشرات الدفعات التي يبلغ مجموعها أكثر من 5 ملايين دولار لعدد من كبار مسؤولي كرة القدم لخلق موجة كبيرة من الدعم للملف الذي تقدمت به بلاده.

وقدّم بن همام، عضو "اللجنة التنفيذية للفيفا" الذي كان منفصلاً عن الفريق المكلف بملف الاستضافة الرسمي، قدّم دفعاتٍ قدرها 1.6 مليون دولار في الحساب المصرفي لأحد زملائه الناخبين، بالإضافة إلى قيامه بدفع 305 ملايين يورو أخرى حالت بشكل فعال دون التصويت ضد قطر في إحدى المناسبات. وقد قام كذلك بالتوسط لإجراء محادثاتٍ على مستوى الحكومة مع الناخب التايلاندي لتسهيل صفقة غاز تصل قيمتها إلى الملايين من الدولارات مع تايلاند.

وفي هذه الأثناء، قام أعضاء فريق الملف بإبرام عقد يتضمن تحويل مبلغ من المال لابن ناخب آخر بقيمة مليون دولار لإقامة مأدبة عشاء على شرف عدد من نجوم كرة القدم الأفريقية، قبلوا أن ينسحبوا من الصفقة في وقت لاحق. كما قاموا بالدفع لشركة علاقات عامة في نيويورك لإدارة حملة عمليات سوداء لنشر الدعاية السلبية ضد منافسي قطر الرئيسيين، أمريكا وأستراليا. وهي القصة التي نفى الفريق المكلف بالملف ارتكابه لأي تجاوزاتٍ فيها.

كما تم تسخير قناة الجزيرة، الشبكة التلفزيونية الحكومية، للمساعدة في هذه المساعي. فبعد بضعة أشهر من إعلان قطر عن عزمها تقديم العروض، حصلت القناة على أول حقوقها التلفزيونية لنقل المونديال على الهواء مباشرةً. وكانت حقوق كأس العالم 2010 و2014 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزءًا من حزمة أوسع اشترتها الجزيرة من شبكة الإذاعة والتلفزيون العربي (إي آر تي) التي بثت مونديال 2006. وذكرت ورقة أكاديمية أن إي آر تي قد دفعت في البداية 100 مليون دولار لنقل هذه البطولات الثلاث.

وكانت الصفقة الكبيرة التالية هي العقد التلفزيوني لكأس العالم 2018 و2022، والذي كان تمديدًا لصفقات حقوق الجزيرة الحالية. واليوم ستكشف هذه الصحيفة عن تفاصيل هذا العقد لأول مرة. والذي وقعت عليه الجزيرة في 11 نوفمبر 2010، قبل ثلاثة أسابيع من التصويت لتحديد موعد استضافتها. لقد كانت عمليات الضغط التي تمت للحصول على حقوق نقل المسابقتين محمومة.

لقد كانت هذه الصفقة غريبة منذ بدايتها. لم تكن هناك مناقصة تنافسية، على عكس صفقات حقوق البث الأخرى الخاصة بالمونديال في أجزاء أخرى من العالم. وهو ما يتعارض مع التزام الفيفا السابق بعقد المناقصات لإظهار الشفافية. لقد كان التوقيت سابقًا لأوانه أيضًا نظرًا لعدم تحديد الدول الفائزة بحق استضافة تلك المسابقتين. يُذكر أن الفيفا لم توافق على أي صفقة حقوق تلفزيونية أخرى لهذه المسابقات إلا بعد مرور عام كامل على التوقيع مع الجزيرة، أي بعد التصويت بفترة طويلة.

وقد وقع العقد ناصر الخليفي، مدير عام الجزيرة، الذي سيقود لاحقًا عملية الاستحواذ القطري المثير للجدل لنادي باريس سان جيرمان لكرة القدم. وقد تضمن العقد التزام قطر بدفع 150 مليون دولار لبث جميع فعاليات الفيفا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال فترة الأربع سنوات التي سيكون فيها عامل الجذب الرئيسي متمثلًا في مونديال 2018، ونفس المبلغ مرة أخرى للفترة التي ستقام خلالها نسخة 2022 من نفس البطولة.

لقد حققت المبالغ أرقامًا قياسية على مستوى المنطقة. إذ يقول الخبراء الذين نظروا في هذه الصفقة في أحاديثٍ لهم مع الصحيفة، إنه من الصعب تبرير مثل هذه الزيادة الكبيرة على أساس تجاري بحت. ناهيك عن وجود المزيد من المال على الطاولة في حال فوز قطر بحق الاستضافة.

"في حالة ذهاب حق استضافة المسابقة لعام 2022 إلى دولة قطر" فسيستمر العقد، كما "يتعين على الجزيرة، بالإضافة إلى رسوم حقوق النقل لعام 2019-2022، دفع مبلغ مالي قدره مئة مليون دولار أمريكي للفيفا على الحساب المعين".

حتى لو كانت هذه الزيادة على أساس كروي، فإنها تظل رسوم نجاح ضخمة. ويقول العقد إن مبلغ المئة مليون دولار هو للمساهمة في تغطية تكاليف إنتاج الفيفا لكأس العالم 2022، كما أنه يعكس ارتفاع قيمة حقوق النقل على مالكها في حال كانت البطولة مُقامةً على أراضيه.

ولكن في حقيقة الأمر، يقول الخبراء إن قطر البالغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة والقيمة التجارية المحدودة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعني أن أي إيرادات إضافية تحصل عليها كونها الدولة المضيفة لن تمثل سوى جزء ضئيل من المبلغ المقدم. ومما يثير الدهشة هو ان المدراء التنفيذيين في الفيفا كانوا يخالفون أنظمتهم، التي تشير إلى انه لا ينبغي لأي كيانٍ او أفرادٍ "منتمين" لإحدى الفرق المتقدمة بطلب استضافة كأس العالم تقديم أي مكافأة للفيفا مرتبطة بعملية الترشح لحق الاستضافة.

ومما لا شك فيه أن قناة الجزيرة كانت مرتبطة بملف قطر، حيث كان مالكها الشيخ حمد يمول العملية برمتها. كما تضمّن العقد رسوم نجاح مرتبطة بمنح حقوق استضافة كأس العالم.

وفي الوقت الذي تم فيه توقيع عقد حقوق البث، واجه ملف قطر لاستضافة كأس العالم جدل غير مسبوق. في الشهر الذي سبق ذلك، تفاجأ الفيفا بشأن تحقيقٍ صحفي حول مبيعات أصوات لاستضافة كأس العالم، والذي ظهر فيه تصويرٌ بشكل سري لأثنين من أعضاء اللجنة التنفيذية التابعة للفيفا وهم يناقشان بيع أصواتهم مقابل المال.

شمل الدليل الذي أرسلناه إلى الفيفا تسجيلات لأعضاء سابقين في اللجنة التنفيذية التابعة للفيفا – أمادو دياكيتي وإسماعيل بهجي – يزعمون فيها أن قطر كانت تقدم للمصوتين ما يصل إلى 1.2 مليون دولار لدعمهم.

وقدمت الفيفا وعودًا بالتحقيق في كافة المخالفات الواردة في التسجيلات. ولكنها بعيدًا عن الأنظار، كانت تناقش قناة الجزيرة حول اتفاق تلفزيوني. في 17 نوفمبر من عام 2010 – بعد ستة أيام من وصول عقد القناة الناقلة الموقع إلى مقر الفيفا الواقع في زيورخ – قام الفيفا بالإعلان عن نتائج تحقيقاته.

وتم إيقاف ثمانية مسؤولين – من بينهم المصوتين اللذين تم تصوريهما خلال نقاشهما حول بيع أصواتهما – عن العمل في مجال كرة القدم. وكان من بين المسؤولين أيضًا ديكايني وبهجي اللذان أُوقفا بسبب عدم ولائهم والحديث في موضوع خارج نطاقهم. بينما لم يتم التحقيق في المزاعم التي قدموها حول المدفوعات.

وتم التخلي عن تحقيق منفصل حول تواطؤ غير مشروع بين قطر وملف اسبانيا لاستضافة كأس العالم لعام 2018 بعد القيام بتحقيقات سريعة. ولكن منذ ذلك اليوم، فضلت الفيفا إخفاء تضارب المصالح الصارخ في العقد القطري الذي يقدر بقيمة 400 مليون دولار.

وعُقد اجتماعان للجنة التنفيذية الخاصة بالفيفا في الفترة القصيرة الفاصلة بين توقيع الجزيرة للعقد والتصويت على حق استضافة كأس العالم. واتسمت هذه الاجتماعات بالخصوصية، لذا فمن غير المعروف ما إذا كان طُلب من أعضاء اللجنة التنفيذية التصديق على العقد.

تشير إحدى البنود الواردة في العقد إلى إن الفيفا سيتلقى 6 مليون دولار كمدفوعات في غضون 30 يومًا من وضع اللمسات الأخيرة على العقد.

وخلال الاجتماع الثاني للجنة التنفيذية – عشية التصويت الخاص باختيار مستضيفي بطولتي كأس العالم 2018 و2022 – أعلن بلاتر أن كل المصوتين سيتلقون علاوة تقدر بقيمة 200 ألف دولار. مما يعني أن هذه العلاوات ستكلف 4.8 مليون دولار، وقال بلاتر إن هذه العلاوات جاءت بسبب النجاح في نهائيات كأس العالم التي عقدت في جنوب أفريقيا. وفي اليوم الذي يليه ظهر الشيخ حمد على المسرح في زيوريخ ورفع كأس العالم، معلنًا بذلك فوز قطر.

ومع تأكيد رسوم النجاح البالغة 100 مليون دولار، قام بلاتر وفالكيه بالتوقيع على العقد في الأسبوع التالي، ولكنهم انتظروا ستة أسابيع قبل الإعلان عن الاتفاق التلفزيوني. وبالنسبة للعالم، بدا وأن العقد قد تم مناقشته بعد التصويت على استضافة كأس العالم في الوقت الذي لم يكن هنالك أي تضارب في المصالح أو خرق للقوانين.

وظلت تفاصيل العقد سرية. حيث لا توجد أي إشارة لها في التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص بالفيفا مايكل غارسيا، الذي أمضي عامين ينظر في مزاعم الفساد في التصويت على حق استضافة كأس العالم في ديسمبر من عام 2010.

بيد أن اسم الشيخ حمد – الذي قام بتسليم ابنه سدة الحكم في عام 2013 – ظهر في التقرير الخاص بتحقيق غارسيا. حيث قال غارسيا أن تورط الأمير يشير إلى "مخاوف حول قيام الدول المرشحة لاستضافة كأس العالم بتوظيف أو الوقوف خلف مسؤولين حكوميين أو غيرهم من العملاء، الذين يقومون بأمورٍ لا يُسمح للمسؤولين في ملفات الاستضافة القيام بها بشكل مباشر".

ورفض من جانبه متحدث باسم قناة (بي ان) – التي خرجت من رحم قناة الجزيرة – الرد على المزاعم " غير المؤكدة" وأضاف أنه تم اتباع "الإجراءات ذات الصلة" خلال عمليات التفاوض. وقال إنه تم إجراء "تحقيق مكثف" حول منح حقوق كأس العالم، مضيفًا أنه لم يتم العثور على أي مخالفات في مشاركتنا.

ومن جانبها رفضت الفيفا التعليق على الادعاءات، وقالت إنها "علقت على نطاق واسع" على التحقيقات الخاصة ببطولة كأس العالم 2022 في السابق. كما امتنع بلاتر وفالكيه والسفارة القطرية عن التعليق.