ذكريات محمد فارسي

نُعِيّ إليّ أن معالي المهندس محمد سعيد فارسي أمين مدينة جدة الأسبق، وصاحب اللمسات الجميلة التي تُشكر وتُذكر له في جدة حتى اليوم، نُعِيَ إليّ أنه توفي رحمه الله قبل يومين، فعادت بي الذاكرة إلى مطلع الثمانينيّات من القرن الميلادي الماضي حينما زارنا معاليه في مدينة درهام بانجلترا التي كنت مع آخرين من زملائي السعوديين نحضّر لدرجة الدكتوراه في جامعتها العريقة (جامعة درهام). وكانت – حينذاك – بين مدينة جدة ومدينة درهام مؤاخاة، وزيارات متبادلة بين مسؤولين من الجانبين، ومشروعات عمل، واستشارات بين أمانة مدينة جدة وجامعة درهام خاصة.

في تلك الزيارة احتفينا بمعاليه احتفالاً يليق به، وكنا جماعة غير قليلين من الطلاب السعوديين المبتعثين إلى تلك الجامعة لدراسة الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات، وكلهم الآن يحملون درجة الدكتوراه، وعلى رأس أعمالهم في جامعاتهم، أذكر منهم من جامعة الملك عبد العزيز د.أسامة جستنيّة، و د.هانىء مهنّا، و د.جمال المشني، و د.عدنان جواهرجي أو جواهري، و د.عادل فَيْدَة، ومن جامعة الملك سعود د.عبد الله الظفيري، ومُحَدِّثكم، ومن جامعة الإمام فرع الأحساء د.محمد الجبر، ومن جامعة الفيصل د.عبد الله البشر.

كنا في ذلك الوقت نفكر في شراء دار قريبة لحيّنا الذي نسكن به قابلة للتحويل إلى مسجد، على أن تكون أكثر رَحَابَة من مسجدنا القائم الذي كان صغيراً في مساحته، وبدأ يضيق بالمصلّين. فعرضنا الأمر على معالي المهندس الفارسي فتبرع لنا حالاً من جيبه الخاص بمبلغ عشرة آلاف جنيه بشيك محرر باسمي، وقال هذه دفعة أولى، ولا تطلبوا عوناً من أحد، وسأكمل لكم ما تحتاجون إليه بعد عودتي إلى جدة. وماهي إلا هُنَيْهَة حتى اشترينا بيتاً رَحْباً وقريباً من مسكننا بمبلغ 33 ألف جنيه، وهو مبلغ ليس قليلاً في ذلك الوقت.

وبعنا البيت الذي اتّخذناه مسجداً قبل بأربعة آلاف جنيه ، وقبل ذلك كان معنا خمسة آلاف جنية دبَّرها زميل لنا من الكويت هو معالي الدكتور عبد المحسن مدعج المدعج الذي أصبح وزيراً لوزارتين في حكومة بلده. ثم تواصلنا مع معالي المهندس محمد سعيد فارسي فلم يتوانَ رحمه الله في تحويل مبلغ عشرة آلاف دولار، فأصبح لدينا إلى جانب تبرّعاتنا الشخصية مبلغ كاف لشراء تلك الدار، وإجراء بعض التعديلات عليها لتكون ملائمة لوضعها الجديد بوصفها مسجداً.

ونُزُلاً لبعض زملائنا من الطلاب الذين كانوا ينزلون في غرف خاصة كنا قد هيئناها في الدور الأول من المسجد مقابل أجور رمزية تصرف على متطلبات المسجد من رسوم كهرباء وماء ونحو ذلك، وكان المسجد واسعًا نسبيًّا، وكنا نقيم فيه صلاة الجمعة والجماعة والعيدين، وكان يأمّه بعض المصلين من خارج حينا الذي يُعرف باسم: كِيْبِيَر كُوْرت .

ولا شك أن لتبرع معالي المهندس محمد سعيد فارسي الأثر الأكبر في شراء تلك الدار التي تحوّلت إلى بيت من بيوت الله، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في موازين حسناته، وأن يثيبه ويثيب كل من أسهم فيها، وأن يتغمده بواسع رحمته، وأن يحشره مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وأن يعظم الأجر لآله وذويه إنه سميع مجيب.

عضو مجلس الشورى