بهجة الدارس وغبطة القارئ

البهجة التي تختبئ خلف الكلمات الأخيرة للكتاب الذي نقرأ وتبقى متأهبةً على أعتابها بانتظار انقضاء الرحلة التي تنقلت خلالها عقولنا بين الأفكار الممتدة عبر صفحاته بخفةِ طائر وأناقة ظبي، لتقفز إلى وجوهنا فتكسوها كما يفعل الضوء في حقول القمح كل صباح .

والغبطة التي تعترينا حينما نفرغ من قراءة رواية ما، فتخرج من آخر فصولها لتتسلل عبر أوردتنا كما تفعل رائحة العطر فتصافح أرواحنا بوداعةٍ جمة وتمضي بها إلى حيث الجَذل فلا نلبث طويلاً حتى تستحيل أفكارنا إلى جناحي طائر يحلقان بنا أنّا شئنا وكيف أردنا.

شعوران يخرجان من كمنٍ عصي
وملؤهما الضوء ليرتديهما الوعي الذي طالما ألبسته القراءة تاج المعرفة وأجلسته على عرش الثقافة.

فإن أفلا بعد سويعات كنجمي رجل القنطور وهكذا يفعلان عادةً فماأورثا صاحبهما من بَصَر سيبقى طويلاً كما تفعل زخات المطر حين يتوقف عن الهطول وتبقى هي مسافرةً في أوردة الثرى، ليهتز ويربو وينبت علماً ومعرفةً.

فنفاذ البَصَر إلى ألبابنا هو مايجعل أحاديثنا ذات قيمة وحواراتنا ذات هدف وينحى بهما نحو الإثراء والإغناء، وهو أيضاً الذي يطلق قدرات العقل ويشرع نافذته على فضاء التنوير وينتج فكراً جمعياً متقدماً.

وهو نتاج رحلة شيقة تتجاذبانها الفائدة والمتعة ويظفر القارئ بكلتيهما، ليغنم منهما ماسيكسبه ذهناً متقداً وفهماً عميقاً ومعرفةً واسعة وعلماً يفيض على من حوله، فيبدو حين يبدأ حوار ما وسيماً أنيقاً مشعاً.

لذا يبقي القارئ الذي تعود صيد الفوائد على سهمه مشدوداً إلى قوسه لأنه يعلم أن الفائدة تمر سريعاً وإذا لم يقتنصها فربما لن يراها مجدداً.