فلسفة المعرفة المطلقة

لم تثقف عقول بني البشر أجدى من قناعتها بجهلها مهما بلغ علمها وإستطال بَصَرها ولا أصابت أثمن من يقينها بسعة العلم وإتساع أفقه، حتى وعيت أن الخيال البشري على رحابته ليقصر دون بلوغ قليله، ويقف ملؤه الرضا والزهو حيث إستطاع الوصول، فكيف بما أصاب العلم وهو أقل منه درجة وأضيق مساحةً.

فما ظل يُبقي على جذوة البحث مشتعلة في كل لب هو ذلك اليقين الجمعي وتلك القناعة الكلية.
ومادفع نحو أفقه اللامتناهي هو ذلك الإيمان الراسخ بإتساعه.

خرج ألبرت آنيشتاين عن النطاق الذي خلقه السير الإنجليزي إسحاق نيوتن للعلم الحركي بعد أن ظلت رؤية العلماء تدور في فلك نظرياته لقرون عدة لأن أنيشتاين آمن أن لاحدود للعلم ولاقدسية لنظرية مهما كانت وخرج عبر نظريتي النسبية العامة والنسبية الخاصة بكشف علمي عن تباطؤ الزمن فتح للعقل البشري آفاق مايمكن تسميته مجازاً بتوقف الزمن أو الخلود.

وأمضى ويلدر بنفيلد العالم الكندي الفائز بجائزة نوبل للسلام في علم الأعضاء والمحسوب فلسفياً على أنصار النظريات الآلية جل عمره محاولاً الوصول إلى تفسير لكيف يدرك العقل البشري ماهية الأشياء، وكيف يعي ويفهم ويدرك؟

وبعد عقود من البحث قال: لاأحد يستطيع أن يفسر هذا الأمر.

وفي ذلك مايثبت قصور العلم عن تفسير كيف يعمل العقل، وهو إخفاق منطقي إذ كيف لأي فلسفة واحدية كانت أو ثنائية أن أن تنفذ من خلال العلم الآلي إلى مايفسر عمل روحي.

وهو شأن فلسفي بحت يحتاج لأن يحلق القارئ الكريم في فضاء الفلسفة (علم الكليات) الرحب ويتنقل بين نظرياتها ليُلم بمقاصده، لكنه يثبت بجلاء القناعة آنفة الذكر .

وأتى اليوناني العظيم سقراط ليستبدل مسمى الحكماء الذي كان يطلقه السفسطائيون على أنفسهم بمدلولٍ أبلغ لمعلومٍ أسمى وهو "محب الحكمة" وتعني (الفيلسوف) فألتصق به المسمى ليصنع به المسافة المنطقية بين الحكمة والعقل البشري، والعلاقة الواقعية بينهما، مايدل على أن عظماء الفلسفة كانوا يعون قلة ماظفر وسيظفر به الإنسان من علم.

وفيما لايمكن أن يكون ماتوصل إليه العقل البشري من قناعة ويقين وعلم بمنأى عن قول الله ‫ ﷻ‬ ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فإن المعرفة المطلقة مهما بدت عظمتها وتجلت جسامتها فهي إلى علمه جل وعلا أجلح مايكون وأضعف مايمكن.

ففضاء العلم لامتناهي فلاسقف يحبسه ولاسماء تقيده ولاعقل مهما ذَهن يصل منه إلى ماسوى الضئيل الزهيد.

[email protected]