أموال وذهب داعش نقلت إلى تركيا

نشرت مجلة "أتلانتيك" الأمريكية تقريرًا مفصلًا عن الثروة التي جمعها داعش، ونسبت إلى مسؤولين أمنيين عراقيين، أن التنظيم كدّس الأموال الطائلة والذهب ونقلها إلى تركيا، مما جعله أغنى تنظيم إرهابي في العالم، وأنه لا يزال قادرًا على تمويل العنف من دون أن يكون يسيطر على أراض.

ويتحدث التقرير عن سبل نقل الأموال، موردًا قصة "أبو شوكت"، الذي يعمل في مكتب صغير في ضاحية فقيرة من بيروت، وهو جزء من نظام الحوالة الذي يستخدم عادة لنقل الأموال بين أماكن لا يعمل فيها النظام المصرفي أو يكون فيها مثل هذا النظام مكلفًا جدًا.

وتقول المجلة: "إذا وافق أبو شوكت على العملية يعطي الزبون كلمة مرور ويأخذ المال، ثم يعطيك معلومات عن وسيط حوالة في المدينة التي تنقل الأموال اليها، ويمكن لمن يقدم كلمة المرور لوسيط معين أن يحصل على المال، وهكذا يمكن المال الانتقال عبر الحدود من دون أي تحقيق في شأن مرسله أو متتلقيه أو هدفه".

وتضيف المجلة أن بعض المشاريع، التي تمولها الولايات المتحدة وبريطانيا، لجأت إلى تحويل ملايين الدولارات إلى سوريا باستخدام نظم التحويل النقدي بهذا الأسلوب، من أجل أن تتمكن المنظمات الإنسانية من دفع أجور الموظفين، ويعتمد السوريون العاملون في الخارج على هذا النظام لإرسال المال إلى ذويهم الفقراء داخل سوريا.

ولكن "أبو شوكت" يدير ما يشبه شركة عائلية لتحويل النقود وتمارس أنشطة غير قانونية وسرية في الكثير من الأحيان، إذ تمتلك شبكة من شركات خدمات المال تتولى نقل ملايين الدولارات أسبوعيًا لصالح تنظيم داعش.

ومع أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة تدك آخر قسم من الأراضي التي كان يسيطر عليها داعش في سوريا، لا يزال أمام الولايات المتحدة وحلفاؤها مسيرة طويلة لإسقاط الإمبراطورية الاقتصادية للتنظيم الإرهابي، ولا يزال داعش قوة مالية، ولديه إمكانية للوصول إلى مئات الملايين من الدولارات، وفقًا لتقديرات الخبراء، وبالتالي يمكنه الاعتماد على نظام الحوالة الذي اختبره خلال المعارك لضمان استمرار تدفق الأموال إلى خزائنه.

وتنطوي هذه الثروة على مخاطر حقيقية، إذ تهدد باستمرار قدرة التنظيم الإرهابي على الاحتفاظ بتبعية وولاء أشخاص يلتزمون بنشر الدمار والخراب من خلال الهجمات الإرهابية لسنوات. كذلك تمثل القوة المالية للتنظيم تحدياً واسعاً للولايات المتحدة والحكومات الأخرى.

 

معاقبة الشركات
وفي إطار مساعيها للضغط على التنظيم ماليًا، اضطرت واشنطن إلى الاعتماد على استراتيجية مختلفة تمامًا عن تلك التي استخدمتها في حملتها العسكرية، ولم يكن سلاحها الرئيسي في هذه المعركة الضربات الجوية وقنابل المدفعية، ولكن أدوات أكثر دقة، مثل معاقبة الشركات المرتبطة بالتنظيم، وحرمانها من الوصول إلى النظام المالي الدولي، والتعاون بهدوء في هذا الشأن مع الحكومات في جميع أنحاء العالم.

ولكن لن تكون هناك نجاحات واضحة في هذا السياق، كما أن الحملة ربما تمتد إلى سنوات عديدة مقبلة ولا ضمانات بإحراز النصر في نهاية المطاف.

وتمثل نهاية أيام تنظيم داعش وسيطرته على الأراضي في سوريا سلاحًا ذا حدين للمسؤولين الذين يتطلعون إلى تجفيف موارد التنظيم الإرهابي، فمن ناحية، عقدت الخسائر الهائلة، التي مني بها التنظيم، إمكان الاعتماد على مصدرين رئيسيين للدخل، هما استغلال حقول النفط في العراق وسوريا، والضرائب على المواطنين الذين يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها.

ولعب هذان المصدران دورًا رئيسيًا في قيام التنظيم الإرهابي بجمع حوالي مليون دولار يوميًا، بحسب ما ذكره مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته أثناء مناقشة مسائل استخباراتية، موضحًا أن هذا الأمر جعل من داعش أغنى منظمة إرهابية في العالم.

ومن ناحية أخرى، يحرر فقدان سيطرة التنظيم على الأراضي من المبالغ التي كان يتم إنفاقها، والأعباء ذات الصلة بمحاولة بناء "الخلافة"، مما يفسح له في المجال للتركيز حصريًا على النشاط الإرهابي.

قال مسؤول بوزارة الخزانة الأمريكية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن التنظيم يعمل بشكل متزايد مثل سلفه تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، ولم يعد يحتاج إلى نفس الموارد مثلما كان عليه الحال عندما كان يسيطر على الأراضي في سوريا.

ولا يزال النفط يحقق عائدات للتنظيم الإرهابي أيضًا، إذ بينما لم يعد التنظيم يسيطر على حقول النفط نفسها، وفقا لما صرح به مسؤول الخزانة الأمريكية، فإن أحد المصادر الرئيسية لدخل التنظيم الإرهابي هو حصيلة عمليات ابتزاز خطوط أنابيب إمدادات النفط في جميع أنحاء المنطقة.

 

أين يخبِّئ الأموال والذهب؟
وقال هوارد شاتز، كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند المالية والمؤلف المشارك للعديد من الدراسات حول الشؤون المالية للتنظيم: "لا يزال تنظيم داعش يرقد على المفاجأة الهائلة التي قام بتشييدها خلال فترة ذروة قوته"، مضيفاً: "ما نعرفه هو أنهم جمعوا مبالغ كبيرة من الأموال وغيرها من الأصول. ولكن لا نعرف إلى أين ذهب كل هذا".

ويبدو أن بعض هذه الأموال قد استثمرت في مشاريع تجارية مشروعة، ففي شهر أكتوبر، كشفت سلسلة من المداهمات لمقار الشركات المرتبطة بالتنظيم في مدينة أربيل العراقية عن أوراق تشير إلى أن المجموعة استثمرت في كل شيء، من العقارات إلى تجارة السيارات، وغالبًا ما تُدار هذه الشركات من قبل وسطاء يتشاركون مع التنظيم ليس بسبب التعاطف الأيديولوجي بل من أجل الربح، ومن ثم يتم تحويل الإيرادات إلى التنظيم عندما يُطلب منهم ذلك.

 

تركيا
وذكر المسؤول الأمني العراقي الكبير أن الجزء الأكبر من أصول داعش نقل إلى تركيا، على الرغم من أن وزارة الخزانة فرضت عقوبات على شركات الخدمات المالية في سوريا والعراق، والتي لها صلات تصل إلى مناطق بعيدة مثل منطقة البحر الكاريبي.

ويقال إن بعض هذه الأموال يختفظ بها نقدًا من أفراد في تركيا، بينما تم استثمار جزء منها أيضًا في الذهب، وتقول المجلة إنها ليست المرة الأولى تغض فيها أنقرة الطرف عن نشاط المنظمة الإرهابية على أراضيها، فقد اعتاد التنظيم الإرهابي جني ملايين الدولارات عن طريق بيع النفط المهرب للمشترين الأتراك.

واستهدفت مداهمات أكتوبر في أربيل أيضًا الشبكة المالية التي أنشأها فواز محمد جبير الراوي، أحد قادة داعش والذي تزعم وزارة الخزانة الأمريكية أنه يمتلك ويدير شركات خدمات مالية مقرها سوريا، وتتولى تحويل ونقل الأموال إلى تركيا. وتنفي الحكومة التركية باستمرار توفير الملاذ الآمن لأفراد التنظيم أو للأصول المالية للتنظيم الإرهابي.

 

أساليب القاعدة
كذلك، توفر الدولتان سوريا والعراق، اللتان مزقتهما الحرب، فرصاً واسعة للتنظيم لإحياء التكتيكات التي تم من خلالها تمويل القاعدة.

فمن عام 2008 إلى عام 2012، عندما نشط تنظيم القاعدة في العراق لجأ إلى أساليب سرية مثل عصابات المافيا تحت الأرض، حيث اقتنص عقود البناء، خاصة في مدينة الموصل شمال العراق؛ وسرق البضائع وأعاد بيعها؛ وخطف أفراداً من العائلات الثرية للحصول على فدية.

وعلى الرغم من ظروفها المتوترة، كان التنظيم يحقق إيرادات شهرية تبلغ حوالي مليون دولار فقط في محافظة نينوى العراقية في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.

أما حاليًا، فثمة عوامل إضافية تتعمل لصحالح التنظيم، منها أن تدمير مناطق شمال العراق، التي كانت تخضع ذات يوم لسيطرة "داعش" ستستلزم جهود إعادة إعمار ضخمة.

وفي مؤتمر العام الماضي، تعهدت الدول بمنح مبلغ 30 مليار دولار لإعادة بناء المنطقة، وهو رقم لا يزال أقل بكثير مما قالت الحكومة العراقية إنها بحاجة إليه. ولكن ضخ الأموال على نطاق واسع يوفر للتنظيم فرصة أكبر للاستفادة من الفساد.

وتظهر الوثائق، التي رفعت السرية عنها، أن كبار السياسيين العراقيين والأكراد والأتراك تعاملوا مع القاعدة في العراق عام 2009؛ ومن المرجح أن يكون الإشراف على كيفية إنفاق الأموال أسوأ حاليًا، بالنظر إلى حجم المهمة.

ثانيًا، احتفظ داعش بسجلات دقيقة لما بين 7 ملايين و 8 ملايين شخص، يعيشون في الأراضي التي سيطروا عليها في ذروة قوته. وإذا كان لا يزال يملك تلك السجلات، فيمكنه استخدامها لابتزاز العراقيين والسوريين لاحقا.

وقال شاتز: "إذا كنت تعيش في إقليم تحت سيطرة داعش، فهم يعرفون مكان إقامتك، وهم يعرفون الكثير من المال الذي تجنيه، ويعرفون ما هو عملك"، موضحاً أنه "يمكنهم (عناصر داعش) على سبيل المثال الذهاب إلى رجل أعمال ما، قائلين: يجب أن تكون فخوراً بابنك، ومن المؤسف أن يحدث له شيء ما".