الفرص الضائعة

يعتقد الكثير من الناس أننا عندما نتحدث عن أهمية تطوير الذات وانعكاس ذلك على شخصية الإنسان فإننا نتحدث عن أشخاص يملكون أموالاً طائلةً وهذا خطأ؛ إذ ليس بالضرورة أن تتحقق للإنسان كل أحلامه وأهدافه حتى يكون سعيداً.

فتطوير الذات تحديداً لا يقتصر دوره على المساهمة في تحسين مستوى الإنسان مادياً، بل يتجاوز ذلك لتهذيب الأنفس وتعليم الناس الكثير من الفضائل والأخلاقيات الحميدة، ومنها القناعة والرضا والصبر والإصرار والشغف والإيجابية وأمور أخرى قد لا يتسع المجال لذكرها هنا.

ولهذا فإن الأشخاص الذين يتحلون بالأخلاق الفاضلة ويتمسكون بالقيم والمبادئ لن يكونوا جميعاً أغنياء، لأنهم أولاً يدركون أن ذلك قضاء وقدر، وثانياً لأنهم يحملون في دواخلهم مبادئ عظيمة وقيماً راسخةً ليس من السهولة التنازل عنها لكسب المال أو الحصول على منافع دنيوية.

وثالثاً لأن دوائر تفكيرهم أوسع من دوائر تفكير الأشخاص العاديين، فهم واثقون من أن الله سيعوضهم خيراً من الفرص التي ضاعت عليهم، وأنهم قادرون على خلق الفرص الأخرى نظير يملكونه من قدرات وأفكار إيجابية، ومتيقنون أيضاً بأن كل فرصة عظيمة لم تكتب لهم فإن هناك الكثير من الفرص الأعظم التي ربما لو تحقق أحدها لعوض تلك الفرص الضائعة؛ لذلك فهم لا يتوقفون عن العمل ولا يرضون بإنجاز واحد.

نعم بإمكان الإنسان أن يكون ثرياً وأن يصل إلى أعلى المراتب إذا سلك الطرق الملتوية وهذا أسهل الطرق للوصول، ولكن الطريق الصعب هو الذي يختاره أصحاب المبادئ والقيم الذين يترفعون عن الدنايا وتوافه الأمور لأن نفوسهم العزيزة لا تقبل إلا المعالي، أولئك الأشخاص ينظرون لأنفسهم على أنهم هم الأغنياء حقاً.

فليست الغاية لديهم في الحصول على كل ما يطلبونه عن طريق العلاقات الخاصة والعامة والحيل التي يستخدمها غيرهم من الانتهازيين ليتبوأوا المراكز والمواقع الهامة التي لا يستحقونها أساساً، فضلاً عما يمارسونه من فوقية واستعلاء على غيرهم بسبب تلك الحيل والأساليب الدنيئة.

إنه لمن المؤسف حقاً أن تشاهد من يقلل من أهمية تطوير الذات وتنمية البشر كأسلوب حياة؛ بينما يتحدث في مناسبات أخرى عن أهمية ذلك من أجل الترقي الوظيفي وتحسين المستوى الاقتصادي والتعليمي ويسعى لذلك الهدف بطريقة غير مناسبة.

هؤلاء الأشخاص يعيشون حالة كبرى من التناقض الفاضح؛ فهم يعشقون التطور ويسعون من أجله ولكنهم في نفس الوقت يرون أن تطوير الذات كأسلوب حياة قد يمنعهم من ممارسة حياتهم كما يشاؤون، والاختلاف الجوهري بين الحالتين يكمن في أن تطوير الذات أسلوبٌ راق لا يتماشى مع حياة الفوضويين الانتهازيين.

فحب التملك وعدم الانضباط والنظر من دائرة ضيقة كلها صفات تجمع الفوضويين، وعلى النقيض تماماً تجد الأشخاص المؤمنين بأهمية تطوير الذات هم أكثر انضباطاً، متمسكون إلى درجة كبيرة بالمبادئ والقيم ويولونها أهمية كبرى في حياتهم، يتعاملون مع الأمور بأفق واسع وينظرون من زوايا خاصة بهم لا يستطيع غيرهم النظر من خلالها.

إن من أعظم الدروس المستفادة من تطوير الذات الإنسانية عندما تشاهد من يتنازل رغم حاجته عن بعض الأمور أملاً في أن يحصل على ثواب في الآخرة، أو ترفعاً بنفسه عن ذلك الأمر لأنه مؤمن في قرارة نفسه أن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأن الفائدة التي ستعود عليه من أمر ما ربما تجلب في طياتها الكثير من الشرور؛ فهو يندم قليلاً على فوات الفائدة ثم ما يلبث أن يذكر نفسه بأن القادم أفضل فيشعر براحة عظيمة.