بدر الغامدي يكتب: للخلف انطلق

ليس كل تراجع هو في أصله تراجع .. ألا نرى بعض الأشخاص عندما يريدون أن يقفزوا من على حاجز أو حفرة أو غيره ... تأملوهم وهم يتراجعون للخلف . تراجع لتكون وثبة نحو أفق رحب .. فليس كل تراجع تراجعا .
و في سياق آخر هي دعوة للتراجع ، وقد ذكرَتْها في جزء من تغريدة ( ‏ثمة ذنوب منسية ، نقترفها ولانبالي ) ، فهي دعوة صادقة للتراجع ؛ لنتراجع عن الخطأ ، لنتراجع عن التقصير ، عن التسويف ، عن الذنوب ، عن المعاصي ، عن الاهتمامات الدنيئة ، عن العنصرية و الفساد ، عن كل إثم و خطأ . لنتراجع و ننطلق في رحب الإيجابية و الأهداف السامية إلى رؤى راقية . لنتراجع عن وحل التفرقة ، عن مستنقع البعد . نعم ، ليس كل تراجع هو تراجع ، بل يعد إقداما للأرقى .

ليكن لدينا تراجع للخلف خطوات ؛ لننطلق في سباقات التميز و منصات الإبداع و بصمات الخير .
يقال : كل شيء يصبح جميلاً عندما نراه جميلاً - نحن أسياد أفكارنا - فأرى جمالا في عودتنا للخلف ؛ بعدها لننطلق بوثبات متلألأة فخرا و إثباتا للتميز .

كنت أشاهد في موقع اليوتيوب لقطة البطل الأمريكي " مايك باويل " صاحب الرقم القياسي العالمي في الوثب الطويل . وقد سجلت قفزته 8.95 م بطوكيو في اليابان في 30 أغسطس 1991 م . لكم أن تتخيلوا كيف كان هذا البطل يعود للوراء خطوات و خطوات حتى جاءت وثبته التاريخية ، و التي مازالت مسجلة باسمه إلى يومنا هذا ! فليس كل تراجع هو تراجع في ذاته ، بل قد يكون بعد هذا التراجع وثبة نحو التميز .

تأمل بعض الأطفال ببراءتهم عندما يرون الخطر أو الخطأ حتما يتراجعون خطوات للخلف ؛ خوفاً من الخطر أو اقتراف الخطأ . هذه الفطرة التي نريدها هي التراجع للخلف . ولأني مؤمن بأن ليس كل تراجع ، تراجع . فقد يكون الانسحاب للخلف أحيانا هو النصر بعينه ، عند التأكد أن الساحة ليست ساحتك و المعركة ليست معركتك . فالخروج منها و التراجع أولى . لذا فليس كل تراجع ، تراجعا . و كما يقال : مع الغروب ، يتجدد الأمل . و ما غَرَبت إلاّ لِتُشْرِق .

أهمس لك أخي و أختي : بل أدعوكم دعوة للتراجع عن التقصير في حق من أمرنا للمسارعة لنيل ثوابه و أمرنا بالفرار ليس منه ، بل الفرار إليه - سبحانه و تعالى - هي أيام قلائل نعيشها الآن ، فلنستغلها في التراجع عن كل بغيض و إثم . وبعدها يتلوها وثبة نحو كل خير ، و الأهم أن نستمر عليها. فلا تتردد ، وانطلق . فرُبّ خبيئة بينك وبين الله تكون سببا لنيل مغفرته. و تذكر دائما " ليس كل تراجُعٍ تراجعا " .