قمم رائدة لملك مختلف

كل أنظار العالم تتجه الآن إلى العاصمة المقدسة ؛ لمتابعة المبادرة الرائدة التى أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لعقد ثلاث قمم (خليجية وعربية وإسلامية ) فى مكة المكرمة ؛ لمواجهة التهديدات الإيرانية ، وتوحيد الصفوف؛ لتحقيق الأمن الخليجي ، وتجاوز المشاكل العربية وتعزيز التعاون والتضامن الإسلامي، ووقاية المنطقة من خطر تقسيمها وتفتيتها بخارطة جديدة تحاول فرضها قوى عالمية كبرى، وفقا لمصالحها وأهدافها الانتهازية.

وكعادتها تبقى بلادي دائما فى المقدمة ، متميزة فى خطواتها ، حيث لا تستطيع أي دولة فى العالم ، مهما كانت قوة أجهزتها الأمنية أن تستضيف قادة ووفود نحو 57 دولة والعديد من الزعماء والقادة فى توقيت واحد ومحدود ولكنها الخبرات المتراكمة من خدمة الحجيج ، تسبقها رغبة حقيقية، وإرادة صلبة وثقة قوية ، فى تقديم دولة سعودية جديدة.

تنتج فكرا مختلفا ورؤية حديثة تنشد التقدم العالمي ، تدعو إلى تحكيم العقل والتعايش السلمي والحوار مع الآخر ، وتغيير خطاب العنصرية والكراهية والعنف تنبذ الإرهاب والتطرف ، وتحترم المواثيق والمعاهدات الدولية.

وبالإضافة الى كل التحديات التى تواجه العرب والمسلمين تكتسب القمم الثلاث ، أهميتها من تزامنها مع التحضير لأكبر مؤتمر إقتصادي عالمي تتبناه أمريكا ، وسط توتر شديد فى العلاقات الأمريكية الصينية ، والأمريكية الإيرانية، وصراع روسي أوربي جديد على مصالح الطرفين.

وهو ما سينعكس حتما بأثاره السلبية على مصالح الدول العربية والاسلامية، إذا لم تكن أكثر وعيا ويقظة تجاه أخطار المرحلة المقبلة وما ستسفر عنه صفقة القرن التى تعدها واشنطن من تداعيات قد تهز المنطقة.

إن المملكة وانطلاقا من إدراكها لحجم وفداحة كل هذه الأخطار، ترفض أن تقوم بدور المتفرج أو المشاهد الصامت ، و تسعى دائما لأن تكون مشاركا أساسيا فى صناعة القرارالدولي . وما إجتماع كل هؤلاء الملوك والرؤساء بجوار بيت الله الحرام وفى شهر رمضان الكريم إلا تأكيدا على إضطلاع المملكة بدورها التاريخي تجاه قضايا الأمتين العربية والأسلامية.

ولا يستطيع أحد أن ينكر مواقفها الثابتة سياسيا وعسكريا وأمنيا وإنحيازها للحق والتزامها بكافة الاتفاقات الدولية ، على عكس إيران التى تدمن خرق المعاهدات  وتتلذذ بتهديد الجيران والتدخل فى مصائر الشعوب والنيل من استقرارها ؛ بهدف إرهابها وتمزيقها طائفيا لتصدير ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية".

وبهذا الوعي القيادي من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولى عهده الأمير محمد بن سلمان جاءت القمم الثلاث فى توقيت حاسم ومهم للغاية ، بعد الصواريخ الاستفزازية التى صوبتها  طهران تجاه الكعبة المشرفة والسفن السعودية والاماراتية وتعرض محطتين لضخ النفط للقصف بطائرات بدون طيار.

ولن تنسى قمم مكة المكرمة عمليات القمع الإسرائيلي فى الأراضي العربية المحتلة وتمزيق الحوثيين وحدة الأراضي اليمنية وتهديد الدواعش لليبيا ، والتهاب الأوضاع فى الجزائر، والسودان وغيرها من أحداث دفعت بأجرأ مبادرة تحمل رسالة قوية للنظام الملالي وميلشياته الإرهابية.

تؤكد الرسالة:  إن المملكة بكل ما تملكه من مكانة دولية ، قادرة ـ وبكل هذا الدعم والتوحد مع أشقائها الخليجين والعرب والمسلمين ـ على ردع الصلف الإيرانى ، وأن  دعوتها لهذا الحشد الكبير ليس ضعفا ولا عجزا ، فجيش المملكة الذى يدافع عن الأخرين ، كفيل بحماية بلاده ورد كيد المعتدين.

وما هذه القمم إلا مائدة أكثر إتساعا وشمولا من أجل وضع حلول سريعة تنهي أزمات الملفات الشائكة فى فلسطين وسوريا وليبيا واليمن وتعيد للأمة وحدتها وقوتها وتقيها من شرور وفتن أعدائها.

إن نجاح قمم مكة المكرمة سيكون حائط الصد المنيع أمام أي محاولة لتقويض دور المملكة المحوري والإقليمي وسيكشف ورقة التوت عن النظام الايراني ويجعله أكثر ضعفا وهشاشة أمام قوة هذا التحالف السعودي الخليجي العربي الاسلامي وسيضع قضايا العرب على الطريق؛ تمهيدا لعلاجها من داخل البيت العربي ، وبعيدا عن أطماع القوي المؤثرة فى النظام العالمي الجديد.