السعودية وثالوث التآمر

المتابع للسياسة السعودية عبر تاريخها الطويل ونهجها الدولي في علاقاتها مع غيرها يلحظ اتسامها بالتوازن والاعتدال والنفس الطويل واحترام الاتفاقيات الدولية ومواثيق السلام ، وقد تعرضت لمواقف سياسية واقتصادية حرجة للغاية وتعاملت معها بمنتهى الذكاء وفي إطار القوانين الدولية ومسؤولياتها الإقليمية والدولية وهو ما اكسبها احترام العالم وثقته بل واعتماد العالم على المملكة في حفظ التوازنات الإقليمية خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عامة.

ولم تكن السعودية يوماً ما دولة حرب وعداء بل دولة سلم وسلام ، رغم سعي بعض الدول المجاورة والإقليمية ذات المصالح الضيقة والنهج التوسعي لاستعداءها والإساءة لها مثل إيران وقطر وتركيا على وجه الخصوص ، ذلك الثالوث المتآمر والمسيء لبلاد الحرمين الشريفين.

لقد فرض الثالوث المتآمر على المملكة العربية السعودية واقعاً لا مناص من مواجهته بهدف حماية المنطقة من شروره والمحافظة على مكتسبات المنطقة واستقرارها في ظل التنازع الدولي على مناطق النفوذ ، ونزعة إيران وتركيا للتوسع الإقليمي وإحياء أحلام إمبراطورياتهم القديمة الفارسية والعثمانية ، واستغلال قطر كأداة مالية وإعلامية ، وبروز الجماعات المتطرفة بمختلف تصنيفاتها وتأثيرها على صناعة القرار السياسي وعلى نمط وطبيعة المصالح لمختلف دول المنطقة.

وتبقى إيران كنظام أساس كل مشكلة في منطقة الشرق الأوسط بسبب أطماعها التوسعية وسياساتها في تهديد الأمن والاستقرار العالمي والتأثير على إمدادات النفط كأهم سلعة استراتيجية ، وبنظرة تاريخية للنظام الإيراني منذ سقوط النظام الملكي فيها وظهور نظام المرشد وما تبعه من الإعلان عن أهداف الثورة الإسلامية وسياسة تصديرها إلى العالم والنظام الإيراني لا يحسن التعامل مع السياسة وإدارة الدولة والعلاقات الدولية.

وطغت الأصولية ونشر مذهب التشيع والنزعة التوسعية وحرب الوكالات على إدارة الدولة الحديثة بمفهوم المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول والتعاون الدولي لضمان السلم والاستقرار في المنطقة ، وتعززت سياسات إيران التوسعية عندما تحالفت مع تركيا وقطر ليشكلوا ثالوث شر وتآمر على المنطقة وليس فقط على السعودية.

وأدوارهم وممارساتهم في سوريا واليمن وليبيا والسودان تؤكد ذلك بالإضافة إلى الآلة الإعلامية المجندة لخدمة أغراضهم الدنيئة تجاه الشرق الأوسط ، وجاء نشاط إيران الأخير من خلال تهديداتها بإغلاق أهم المنافذ البحرية وبتفجيرها لعدد من السفن التجارية على موانيء دولة الإمارات العربية المتحدة واستخدام الطائرات الموجهة لتدمير بعض محطات ضخ النفط في المملكة فضلاً عن صواريخها مع الحوثيين التي استهدفت مكة المكرمة أطهر بقاع الأرض ، ليشكل خرقاً غير مسبوق في العلاقات الدولية.

ومع كل ذلك فشلت إيران فشلاً ذريعاً في سياساتها وعلاقاتها الدولية وفي حربها القديمة مع العراق وفي السيطرة الكاملة على لبنان وعلى العراق حديثاً وفي سوريا وفي اليمن وكانت القاصمة خروج أمريكا من الاتفاق النووي معها وهو ما أدى إلى مواجهتها العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية على صعيدها الداخلي وعلاقاتها الخارجية وخاصة مع دول الجوار التي تأذت كثيراً من سياساتها التوسعية.

وأظهرت تركيا للسعودية عداء لا مبرر له حيث لم تختر المملكة جمود العلاقات بهذه الصورة بل فرضها أوردغان بسياساته وعنجهيته ودعمه للارهابيين والمتطرفين الإسلاميين وأساءاته لقيادات المملكة التي كشفتها لنا الأحداث المصاحبة لاغتيال المواطن الصحفي جمال خاشقجي وما أعقبها من تأليب العالم على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على وجه الخصوص.

وأما قطر فالحديث عنها أكثر ألماً باعتبارها جزء من النسيج الخليجي ، فلم تختر السعودية القطيعة مع قطر خاصة بل فرضت عليها فرضاً في ظل ممارسات النظام القطري وإعلامه المرتزق وتآمره مع بعض الأنظمة البائدة لتدمير المملكة وتفتيت وحدتها والتخلص من قيادتها بالأدلة والوثائق المقرؤة والمسموعة.

وتسعى السعودية من خلال دبلوماسيتها ذات النفس الطويل إلى وضع القوى العظمى والعالم أجمع أمام مسؤولياتها الدولية في اتخاذ القرارات المناسبة لإيقاف عبث النظام الإيراني خاصة وحلفاءه المتآمرين على المنطقة ، وتوجيه رسالة للعالم أننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب رغم ما يحاك من مؤامرات دنيئة على بلادنا بهدف أشغالنا عن تحقيق طموحاتنا ودعم استقرار المنطقة والعالم ، وما القمم الثلاث الأخيرة التي عقدت في مكة المكرمة على مستوى المنظومات الخليجية والعربية الإسلامية إلا دليل على نجاح العمل الدبلوماسي وقوة تأثير السياسة السعودية على مسار العلاقات الدولية.

وحال لسان السياسة السعودية قد بات مهماً في هذه المرحلة تسمية الأحداث بمسمياتها وتحديد المسؤولية الدولية عن ما تتعرض له المنطقة من عبث سياسي وأعمال إرهابية سيكتوي بنارها الجميع وستأكل الأخضر واليابس والعمل الدولي المشترك على إقرار العقوبات الدولية التي تكفل السلام والأمن العالمي.

وبدى واضحاً أن ثالوث التآمر على المنطقة ( إيران وتركيا وقطر ) تجاوز كل حد في مواثيق الدول وأعرافها السياسية وسخر هذا الثالوث البشع كل موارده وإمكاناته لاستهداف السعودية على وجه الخصوص في مقدساتها وقيادتها وسمعتها وكأنها ليست قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم وبها وفيها عز الإسلام والمسلمين وتجاهلوا حقيقة المملكة ومكانتها التاريخية.

فالمملكة قامت على أسس متينة داخلياً بوحدة فريدة من نوعها وبقوة العلاقة بينها وبين شعبها تلك العلاقة القائمة على الولاء والبيعة الصادقة.

وتعيش الآن مرحلة اسثنائية لإعادة بناء بناء نفسها واكتشاف مقدراتها واستثمار مقوماتها من خلال رؤية طموحة سينعكس أثرها على العالم الإسلامي وليس المملكة لتؤكد للمتآمرين عليها أن الشيخوخة المزعومة صارت ماضي وأنها تعود في شكل جديد وبقيادة حازمة وشعب طموح وتحولات جذرية لا يمكن لأي شعب على وجه البسيطة أن يتقبلها ويتفاعل معها في زمن قياسي بوعي.

وضرب الشعب السعودي في هذه المرحلة بالذات أروع الأمثلة في التلاحم مع قيادته وتعامله مع الأحداث المسيئة لوطنه وقيادته بمسؤولية كبيرة حظي من خلالها باحترام العالم وتقديره.

وإذا ما أراد ثالوث الشر والتآمر معالجة الأزمات التي أوقع المنطقة فيها فعليه مراجعة تحالفاته وسياساته فإيران مطالبة بتغيير جذري في سياساتها تجاه المنطقة ودوّل الجوار لتتحول تلك العلاقة إلى تعاون وتكامل محكوم بمصالحها ومصالح دول الجوار وتحويل الدولة إلى دولة مدنية وليس دولة أصولية وإيقاف التدخلات السافرة في دول الجوار والحرب بالوكالة.

وتركيا مطالبة بالتخلص من استعادة حلم زعامة الدولة العثمانية والتخلص من الارهابين والمتطرفين من الإسلاميين وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والتركيز على معالجة وضع اقتصادها المتهالك وقطر مطالبة بالعمل في ضوء حجمها ومكانتها الجغرافية والإقليمية واستثمار ثرواتها في جعل قطر واجهة عالمية للاقتصاد.