كيف نحلل حدث ما؟

على خشبة المسرح الكبير التي تكون قد هيئت لنا عندما نأتي إلى هذه الحياة ما هناك الكثير من السياقات التي تدور في فضاء السياق الكوني العام والتي تعد جزءاً لايتجزء منه.

وتأملها ومن ثم فهمها هو الركيزة الأولى في بناء فكر معرفي مستقل يتمكن من تحديد العلاقات بين الأحداث ومن ثم تحليلها والتنبؤ بنتائجها تالياً.

هكذا قُدر لنا أن تكون طرائق إعمال العقل التي تفضي إلى الصواب لذا فإنتهاجها هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة سواء رأيناها كما يراها ديكارت وأفلاطون مطلقة أو نسبية كما أثبت آنيشتاين وغيره وماعدا ذلك سيفضي إلى ماهو زائف وإن بدا منطقياً.

نحن لن نتعرف على حقيقة ما حين يُحجب سياق أحداثها أو نجحم عن معرفة السياق وتحقيقه ومن ثم تحليله.

لذا فإن نحن أعتنقنا رأياً أو حكماً معيناً بُني على مالم نحط به معرفةً وفمهاً وناضلنا من أجله وفي سبيله وقد توهمنا صوابه، فأي جهل سنبدو عليه، قطعاً هو جهل لايليق بمن مُنح عقلاً وأُهدي إلى أُحاديته سبيلاً.

يحكى أن سيدةً وابنها ذو العشرين عاماً كانا يستقلان قطاراً في رحلةٍ تمر عبر الأرياف وفيما كان الإبن يجلس إلى جوار النافذة ويبدي الكثير من البهجة والدهشة بما يرى من خلالها كما يفعل صبي صغير. كان يجلس إلى جوارهما رجلان يشاهدان مايدور وقد بدا عليهما عدم الرضا عما يصدر عن الشاب من عبارات فيما تتبسم السيدة لإبنها برضاً تام.

تحدث أحد الرجلين إلى السيدة وقال: أنا متعاطف معك ياسيدتي لأن ابنك يبدو كطفل ولكن هل عرضته على طبيب؟.
إبتسمت السيدة وقالت: نعم ياسيدي وقد شُفي بفضل الله بعد أن كان ضريراً واليوم هو الأول الذي يبصر فيه.!!

وكما أننا لن نتعرف على حدث مجتزأ فنحن لن نتعرف على حدث ما في سياق غير متوقع أياً كانت عظمته ومهما كان تأثيره
حتى حين نقرر الخروج عن الحياد ومحاولة أن نكون موضوعيين في تقييمه فنحن نخلص إلى حكم أو رأي ونضيق فضاء الحياد إلى دائرة من الإنحياز وهنا لايكون الظرف موائماً لذلك.

الأمريكي جوشوا بيل عازف الكمان العالمي الشهير وفي أحد صباحات واشنطن الممتعة، وفي إحدى محطة القطار المزدحمة والتي يمرها وقت الذروة مايقارب المائة وألف شخص ظل يعزف لساعات شيئاً مما ألف الألماني (يوهان باخ) دون أن يعي المارة أن هذا العازف هو الأشهر على صعيد العالم وأنه يعزف على كمان قيمته تتجاوز الثلاثة ملايين دولار وأن المقطوعات التي عُزفت هي من تأليف عبقري الموسيقى باخ لأن الحدث لم يكن في سياقه لذا عجز الجميع عن فهمه كما هو وظنه المارة خلاف ماهو عليه، فأعتقدوا أنه عازف مبتدئ يريد بعضاً من الدولارات.

وهكذا سيفهم كل حدث أُجتزء من سياقه العام وبقي كذلك أو وضع في سياق غير متوقع.