احتجاجات السودان تتجدد بمظاهرات ليلية

مع حلول الليل، يسارع أهالي أحد الأحياء في جنوب الخرطوم إلى تحضير منصة يعتليها قادة التظاهرات لعرض آخر المستجدات المتعلقة بحركتهم الاحتجاجية.

ووسط أزمة انقطاع الكهرباء واتصالات الانترنت والاجراءات الأمنية المشددة، لم يبق أمام أهالي حي جبره سوى وسائل قليلة لتنظيم الاجتماع الذي اجتذب عشرات من أهالي الحي.

وخلال بضع ساعات، أحضرت مولدات الكهرباء وثبتت مكبرات الصوت وصفت الكراسي البلاستيكية فيما صوبت مصابيح السيارات أضواءها على المنصة التي سيوجه منها قادة الاحتجاجات كلماتهم، وأقيمت حواجز لتأمين مداخل المنطقة.

وقال مجاهد عبد النبي الذي كان يحضر التجمع "الحملة تبقينا مطلعين على أي مستجدات تطرأ على الوضع في السودان".

فيما عمد قادة المجلس العسكري الحاكم في السودان إلى قطع خدمات الانترنت بشكل كبير في أعقاب فض اعتصام للمتظاهرين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم شارك فيه الالاف منذ 6 من أبريل الماضي.

والمتظاهرون الذي كان يطالبون أساسا بإزاحة الرئيس السابق عمر البشير، واصلوا تحركهم رغم تنحيه لمطالبة المجلس العسكري بنقل السلطة إلى المدنيين.

لكن في 3 من يونيو الجاري، فض مسلحون بلباس عسكري الاعتصام، في مأساة خلفت عشرات القتلى وأثارت استنكارا عالميا. وقتل في عملية فض الاعتصام والقمع الذي اعقبه 128 شخصا على الأقل، بحسب لجنة أطباء قريبة من الاحتجاج، في حين تحدثت السلطات عن سقوط 61 قتيلا.

وتوقفت الاعتصامات منذ ذلك الحين، وخصوصا مع تعزيز انتشار "قوات الدعم السريع" في أنحاء الخرطوم. ويتهم المتظاهرون قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، بأنها هي التي قامت بفض الاعتصام.

والمجلس الذي كان قد تعهد سابقا عدم فض الاعتصام، نفى أن يكون قد وجه أوامر بالقمع وأن هدف العملية كان مختلفا تماما وهو طرد "المجرمين" من قطاع يسمى كولومبيا حيث كان يتم بيع وتعاطي المخدرات قرب موقع الاعتصام.

أما في الأسبوع الماضي بدأ قادة الاحتجاجات من تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" بتنظيم تجمعات يومية متزامنة لإعادة إحياء حركتهم.

وقال وهيب محمد سعيد الناشط في التحالف: "نريد فقط أن نستمر في التواصل مع الناس والتصدي للتعتيم الذي يفرضه المجلس العسكري".

وقبيل كلمته في حي جبره، شرح أن الدعوة للتجمع توجه عن طريق الرسائل النصية وبالتواصل الشفهي بين الأهالي، في تلك الأثناء بدأ المتظاهرون بإطلاق هتافاتهم مرددين بإيقاع "حرية - سلام - عدالة".

وقبل أن تقطع السلطات الانترنت كان يتم الاعلان باستمرار على الشبكة عن تجمعات ومسيرات مماثلة جذبت الالاف.

وقال سعيد "طالبنا بإعادة خدمة الانترنت من ضمن شروط استئناف المفاوضات".

وانهارت المحادثات بين قادة الاحتجاجات والمجلس العسكري قبيل فض الاعتصام.

ووافق الطرفان مؤخرا على جهود وساطة يقودها رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد.

ويقول قادة الاحتجاجات إن الوساطة مشروطة بإطلاق سراح جميع الموقوفين وضمان الحريات.

لكن رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان دعا إلى استئناف المفاوضات "بدون شروط".

وقال سعيد: "إذا فشل كل شيء سنواصل التصعيد بالسبل السلمية ومنها العصيان المدني".

في أعقاب فض اعتصام الخرطوم، أغلقت محلات في أنحاء السودان ولازم الأهالي منازلهم تلبية لدعوة من قادة التظاهرات لإضراب عام.

والأسبوع الماضي، نزل مئات المتظاهرين إلى الشارع مجددين مطالبتهم بحكم مدني في العديد من الولايات السودانية ومنها أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم.

ونفذ عشرات الموظفين في شركات خاصة ووزارات منها وزارتي النفط والإعلام، تظاهرات صامتة أمام مكاتبهم في الخرطوم.

وبالنسبة للمياء بابكر التي كانت تشارك في تجمع حي جبره، فإن الفض الدامي للاعتصام أذكى من جديد روح التظاهر.

وقالت "يمكن للناس الآن أن يفرقوا بين الصحيح والخطأ"، وأضافت: "قتل أشخاص من أحياء عدة وثمة آخرون مفقودون منذ فض الاعتصام. لم نعد خائفين".