قيموا أنفسكم

تعمد بعض الجهات الخدمية في القطاعين الحكومي والخاص إلى تتبع آراء المستفيدين من الخدمات التي تقدمها لهم، وتتبع في ذلك بعض الأساليب التي أرى من وجهة نظري أنها بعيدة عن الواقع، ولا تؤدي لمعرفة الحقيقة وبيان الانطباع الذي تكون لدى طالب الخدمة بعد حصوله عليها، وأنا هنا أتحدث عن الشخص الذي حصل على الخدمة المطلوبة سواءاً كان ذلك بشكل جيد أو بشكل سيء، وسواءاً كان ذلك وفي وقت قصير أو وقت طويل، إذ لابد أن يكون مقيم الخدمة ممن حصلوا عليها ولا يفترض أن يدلي شخص آخر برأيه حول الخدمات المقدمة وهو لم يحصل عليها أساساً.

لكن الواقع الذي نراه في تلك الجهات هي الاعتماد على بعض الطرق التقليدية والتي يخيل لي أنها من باب الدعاية وتحسين الصورة الذهينة، حيث توضع صناديق خاصة للشكاوي والاقتراحات بهدف معرفة آراء المتعاملين معها، ثم تطور الأمر لتضع تلك الجهات أجهزةً تحمل رموزاً تعبيرية عن حالات السعادة والرضا والغضب، فيما تقوم جهات أخرى باعتماد نظام التقييم الآلي من خلال الاتصال على هواتف الجهة والضغط على رقم 1 أو 2 للرضا أو عدم الرضا.

وبما أن الحديث عن مدى جدوى الآليات المتبعة في معرفة آراء العملاء حول الخدمات المقدمة لهم فهناك العديد من الأسئلة التي ينبغي طرحها في هذا الجانب وهي:

هل تصل تلك الشكاوي والتقييمات والملاحظات للمسؤولين في الجهات التي تقوم بطلبها أم لا؟

وهل تلك الآليات المتبعة في معرفة آراء الجماهير واقعية أم من باب العلاقات العامة وتحسين الصورة النمطية لها أمامهم؟

وهل يدرك القائمين على تلك التقييمات أن الآلية المتبعة في رصد الآراء وتتبعها بعيدة عن الواقع؟

وللتأكيد على عدم مناسبة تلك الطرق والأساليب فقد تجد من بين المراجعين الذين يحصلون على خدمات جيدة وفي وقت قصير من يعطي التقييم الأسوأ للخدمات وبلا مبرر منطقي، وقد تجد من بين المراجعين الذين لا يحصلون على الخدمات من يقومون بإعطاء آرائهم اعتباطاً وهم لم يحصلوا على أي خدمة.

لذلك على من يريد أن يقيس مستوى رضا المتعاملين من الخدمات التي يقدمها أن يعتمد آلية واقعية يستطيع من خلالها معرفة آرائهم وانطباعاتهم بدقة ومصداقية عالية، وأن يدرك تماماً حجم الخروقات التي يمكن أن يقوم بها بعض المراجعين في استطلاعات الرأي؛ والتي ستؤثر بدورها على سمعة الجهة إن كانت ستعير تلك الاستطلاعات اهتماماً من الأساس.

ويمكن لأي جهة ترغب في معرفة الواقع الحقيقي لمستوى الخدمات التي تقدمها أن تقيس ذلك عن طريق كاميرات المراقبة التي تكشف جميع ما يحدث داخل المنشأة، أو من خلال تعيين موظفين مختصين يقومون باستطلاعات الرأي من قلب الحدث، أو يقومون بمتابعة تعاملات العملاء ومعرفة ما يجري على أرض الواقع بعيداً عن الاتصالات والاستفتاءات التي تغلب عليها المجاملة أو التنصل من البقاء طويلاً على الهاتف كعادة الكثير من الناس.

وهناك أمر آخر جدير بالإشارة إليه؛ وهو أن المراجع الذي يتعمد إعطاء معلومات مضللة أو كاذبة عن مستوى الخدمات أو الجهات التي يتعامل معها يعتبر مسؤولاً ومؤتمناً عما يدلي به، وليس من أخلاق الفضلاء الذين يؤمنون بأهمية الكلمة وحجم الأمانة أن يتعمدوا التضليل وتزييف الحقائق لأهداف سيئة ونواياً دنيئة، لذلك ينبغي على الجهات التي تبحث عن تقييم صادق لخدماتها أن تعيد النظر في الآليات المتبعة لقياس ورصد آراء الناس، وإلا فسنتأكد تماماً أنها وضعت للتباهي والتظاهر بالبحث عن رضا العملاء.