غزو تركي جديد لأراضٍ عربية مع اقتراب عملية شرق الفرات

بدأت طبول الحرب تتسارع دقاتها في شمال شرق سوريا، وتحديداً في مناطق شرقي نهر الفرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ووحدات حماية الشعب التي تعتبرها تركيا فرعاً من حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه) وعدواً لدوداً لها.
ويبدو أن الأراضي السورية العربية ستستقبل غزوا تركيا جديدا، في حال أصّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على شن عملية عسكرية في مناطق سيطرة الأكراد في سوريا.
وبحسب العديد من التقارير الإعلامية، تقوم تركيا الآن بتحضيرات لإطلاق هجوم جديد على الأراضي السورية عبر الحدود الشمالية، وذلك بعد محادثات غير ناجحة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تنفيذ منطقة آمنة على طول الحدود السورية المشتركة معها.
ويشارة هنا إلى أن تركيا شنت هجومين واسعي النطاق في شمال سوريا، بدأت الأول صيف عام 2016 وتمكنت بموجبه من السيطرة على منطقتي جرابلس والباب في شمال محافظة حلب، وفي مارس (آذار) 2018، تمكّنت من احتلال منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية إثر هجوم استمر لنحو 3 أشهر ضد المقاتلين الكرد، وأتى بغطاء روسي.
وبات واضحاً اقتراب العمل العسكري الكبير الذي تخطط له تركيا منذ فترة، وذلك بعد تصريحات أدوغان الأخيرة في هذا الشأن، وتوافد حشود عسكرية ضخمة بالتوافد من مختلف قطعات الجيش التركي إلى الحدود السورية التركية بالقرب من مناطق شرقي الفرات.
هستيريا أردوغان
وبلغ التصعيد التركي ضد أكراد سوريا ذروته أمس الأول الجمعة، وذلك بعد تهديد جديد لأردوغان بـ"بدفنهم تحت الأرض"، في تصريحات تعكس حالة من الهستيريا، خاصة بعد أن فشلت أنقرة حتى اللحظة في إقناع الإدارة الأمريكية بالتخلّي عنهم.
وفي خطاب عدواني، تعهد أردوغان، الجمعة، بشن عملية عسكرية في الأراضي السورية التي يسيطر عليها الأكراد، سواء تم تنفيذ اتفاق المنطقة الأمنة أو لا. ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عن أردوغان قوله خلال اجتماع في أنقرة، مع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية بالولايات: "من يمارسون البلطجة بالاعتماد على قوات أجنبية في المنطقة، إما أن يدفنوا تحت التراب أو يقبلوا بالذل".
واعتبر أردوغان أن "الهجوم على موظف القنصلية التركية في مدينة أربيل العراقية، يؤيد صوابية عملية "المخلب" التي أطلقتها تركيا شمالي العراق ضد الإرهاب"، حسبما الوكالة التركية الرسمية، كما زعم أردوغان أن تركيا ستقطع ارتباط الإرهابيين شرقي الفرات السوري بشمالي العراق، عبر عمليتي "المخلب 1 والمخلب 2"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن لأي عقوبة أن تثني تركيا عن أولوية أمنها".
وبدت التصريحات وكأنها إشارة لبدء اجتياح وشيك، وتأتي عقب تصريحات متتالية لمسؤولين أتراك بغزو مناطق إضافية في سوريا، لكن هل يجازف أردوغان الشهير بمعاركه الكلامية فقط، بشنّ حرب على الأكراد السوريين، حلفاء واشنطن؟، وهل يمكن أن يرتكب حماقة مماثلة تعمل على تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة بعد عناد تركيا على شراء منظومة صواريخ إس ـ 400 الروسية، مما نتج عنه إعلان واشنطن تعليق مشاركة أنقرة في برنامج مقاتلات إف 35 الأمريكية.
وسبق أنّ تحدث أردوغان مراراً عن العملية العسكرية وأطلق العديد من التهديدات، إلا أنّه يبدو جادّاً هذه المرّة، وفقاً لعدّة معطيات، منها كما ذكرت صحيفة "أحوال تركية"، مؤخراً، تراخي موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دفاعه عن قوات "قسد" وعدم فرضه عقوبات على تركيا بسبب صفقة الصواريخ الروسية، على الرغم من أنّ ترامب اضطر مطلع العام لتأجيل انسحاب بلاده من سوريا بعد ضغط دولي، بعد أن كان منح ضوءاً أخضر مُفاجئاً لأردوغان بإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
حشود عسكرية
وبعد صمت طويل نسبياً، عادت تركيا منذ أسبوع للتلويح بشنّ هجوم على شرق الفرات، وكانت سبق ذلك قيامها على مدار الأسابيع الماضية بإرسال حشود عسكرية إلى الحدود مع سوريا.
وبحسب تقارير إعلامية، تشهد المناطق الواقعة على الحدود السورية التركية هدوءاً حذراً يترافق مع تحشدات وحالة تأهب لأي مستجدات تطرأ على المنطقة من أيّ طرف.
ومن جانبه، أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، أنّه وفي ظلّ الاستعدادات التركية المستمرة، يبدو أنّ معركة شرق الفرات السوري باتت قريبة. وكشف المرصد السوري المُعارض (ومقرّه الرئيس لندن)، الذي تحظى تقارير بمصداقية دولية واسعة بفضل شبكة الرصد التابعة له في عموم الأراضي السورية، أنّ "تهديدات أردوغان الأخيرة سبقها استدعاء المخابرات التركية لمقاتلين من "غصن الزيتون" و"درع الفرات" إلى الأراضي التركية من أجل التحضير لعملية عسكرية مرتقبة في منطقة شرق الفرات".
وقال رامي عبدالرحمن: "شاهدنا عملية إطلاق قذائف من الأراضي السورية باتجاه تركيا، واليوم هناك اغتيال لقيادي بارز سابق في قوات سوريا الديمقراطية، أي أن هناك من يريد خلق عملية استتفزاز تمهد الطريق للعملية العسكرية، والقوات التركية تتحشد ليلاً في مناطق حدودية من استقدام آليات عسكرية وتحركات كرأس العين وتل أبيض".
وتأكيداً لكل ما سبق، ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" نقلاً عن مصادر، بأن الاستخبارات التركية أبلغت فصائل الثورة السورية في الشمال بالاستعداد للتوغل في مناطق شرقي الفرات، بالتزامن مع حشود عسكرية تركية على الحدود.
وفي تقرير لصحيفة "العرب"، ربط محللون هذه العودة التركية لإثارة موضوع الشمال السوري بالتسريبات التي تحدثت عن قبول دول أوروبية، بينها فرنسا وبريطانيا إرسال قوات إلى شرق الفرات لملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الأمريكية في تلك الأنحاء.
وفي محاولة لإيجاد حل وسط، أعلن ترامب عن مقترح لإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، لتتقدم أنقرة وتطرح نفسها المشرفة على تلك المنطقة، الأمر الذي رفضه الاكراد بشدة لجهة أن ذلك سيعني تمكين تركيا من مسعاها للانقضاض عليهم.
المنطقة الآمنة
ووفقًا لرؤية الأتراك، تقع المنطقة الآمنة، في المنطقة ما بين كوباني وعفرين، مروراً بجرابلس، والتي تقع في ريف حلب، وترغب تركيا في خلق مساحة عمقها 30 كيلومتراً داخل العمق السوري، وبطول 68 ميلاً على الحدود، وهو ما ترفضه أمريكا، حيث تريد ألا تزيد المساحة عن 5 كيلومترات فقط.
وبدأ الحديث عن المنطقة الآمنة بعد اتفاق أمريكا وتركيا على الخطوط العريضة لإنشائها على طول الحدود السورية التركية، خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وتستمر المباحثات ما بين الطرفين حتى الآن، إلا أنه من الواضح أنها تواجه عراقيل كثيرة، خصوصاً في جوانبها الفنية.
وكان آخرها ما ظهر بعد اجتماع ضم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع مسؤولين عسكريين أمريكيين، الأربعاء الماضي، حيث أعلنت أنقرة أن "صبرها نفد على الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص المنطقة الآمنة"، بينما رأى وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن مباحثاتهم مع مبعوث واشنطن في سوريا جيمس جيفري في طريقها للفشل.
ويعاني معسكر أردوغان نفسه من انقسام حول الموقف من واشنطن فيما يتعلق بملف المنطقة الآمنة، وما إن كان ينبغي الوثوق بإدارة الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص أم لا، في وقت تخشى فيه أنقرة أن تجد نفسها مجبرة على الاعتراف بشرعية تواجد قوات الاتحاد الديمقراطي في باقي الأراضي السورية، في حال الموافقة على مقترح إنشاء منطقة آمنة في مثلث كوباني- تل أبيض- عين عيسى الموازي لمنبج.
ولكن الإشكال بالنسبة لأنقرة هو أنها عاجزة تماماً عن التصرف بشكل أحادي، وإنما هي مضطرة للتنسيق مع واشنطن خصوصاً أن طائراتها لن يكون بإمكانها الحصول على تصريح فوق منطقة المعارك إلا بتصريح أمريكي، كما أن أردوغان وحكومته يدركون أيضاً أهمية الغطاء الجوي في مثل هذه المعارك، وقدرته على حسمها.
وترغب تركيا في تأمين المنطقة الآمنة وحدها، ما يعني انسحاب القوات الأمريكية من المجال الجوي السوري، وهذا أكثر ما يخشاه الأكراد الذين يعرفون أن ذلك معناه استغلال تركيا للأمر وتوجيه ضربات عسكرية قد تستهدف حتى المدنيين، بحجة مطاردة عناصر العمال الكردستاني، وفقاً لتقارير صحافية.
تجهيز الخطة الميدانية
ويبدو أن النظام التركي شعر بأن مباحثاته مع الولايات المتحدة الأمريكية لن تجدي نفعاً، لذا حشد قواته العسكرية خلال الشهرين الماضيين في مدينتي تل أبيض وتل رفعت في تركيا، وهو ما أشار إليه الرئيس التركي "اتخذنا خطوات لتحويل تل أبيض وتل رفعت إلى مناطق آمنة داخل سوريا، يجب أن تصل مساحة المنطقة إلى 30 – 40 كيلومتراً داخل سوريا انطلاقاً من الحدود التركية".
كما أظهرت العديد من التقارير الصحافية، أن النظام التركي يلقي القبض على اللاجئين السوريين من الشوارع التركية، ثم يضعهم في حافلات كبيرة، قبل نقلهم إلى المنطقة الحدودية، تمهيداً لإعادتهم إلى سوريا مرة أخرى، وذلك كجزء من خطة أنقرة لبناء المنطقة الآمنة في الشمال السوري.
ولكن يبدو أن التحالف الدولي فطن إلى هذا التصرف، حيث أرسل تعزيزات عسكرية كبرى بلغت 200 شاحنة إلى مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة قوات قسد، وفقاً لما نقله المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي تحليل سياسي نشره موقع "المونيتور" ومقره الولايات المتحدة، أكد الخبير العسكري متين جوركان، أن "هناك تساؤلات كبيرة وخطيرة حول اختلاف الأهداف ما بين واشنطن وموسكو في سوريا، حيث نجد قوتين كبيرتين لهما مصالح استراتيجية كبرى متعارضة الهدف في الشمال السوري".
وبحسب محللين سياسيين وخبراء في الشؤون التركية، فإن "تركيا مصممة على تغيير الوضع في شمال سوريا، لأنها ترى فيها أمناً قومياً، وترى في قوات قسد مجموعة إرهابية، ولكنها لن تقوم بأي عملية عسكرية أحادية دون التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى بالقياس على العمليتين السابقتين نجد بأنهما في إطار توافقات مع مختلف الأطراف، والآن أي عملية تركية سوف تأخذ في الاعتبار أمريكا".
ويضيف الخبير في الشؤون التركية ماجد الكيالي، في تصريحات له، أن "الخلافات حول عمق المنطقة المسموح بدخول القوات التركية ضمنها، ومن الصعب التكهن حول مستقبل الأزمة حول المنطقة الآمنة، ولكني أعتقد أن أي خطوة سوف تكون في حدود محددة وصغيرة، خصوصاً أن النظام التركي لديه مشكلات في إدلب مع النظام الروسي".