الإنترنت في قبضة أردوغان بقانوني عرفي

يواصل الحزب الحاكم في تركيا في هدم ما تبقى من آثار الدولة المدنية التي زعم حزب العدالة والتنمية رغبته بتحقيقها عند تأسيسه في 2001، بل أن نهجه الحالي في خنق الحريات يكشف عن نظام شمولي بوجه ديكتاتوري صريح.

وبعد استغلال الحزب الحاكم شماعة "الانقلاب" المزعوم في يوليو 2016 في اعتقال وسجن جميع المعارضين لنهج الرئيس رجب طيب أردوغان، وما تبعه من ذلك خنق الحريات الإعلامية وحجب المواقع الإلكترونية والتطبيقات الهاتفية، أعلن النظام الحاكم أمس الخميس عن التحكم بكامل مفاصل شبكة الانترنت والبث المرئي.

وتضمن العدد الأخير من الجريدة الرسمية التركية الذي صدر يوم أمس الخميس، قانوناً يفرض الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي لبدء البث عبر الإنترنت.

ومن المفترض أن يتم بموجب القانون التدقيق في محتوى المنصات الإخبارية والبث مثل "نتفليكس" و"شاهد" ، إلا أن الأمر قد يتعدى هذه الحدود، ليشمل أيضاً البث المباشر عن طريق تطبيقات منصات التواصل من فيس بوك وانستغرام ويوتيوب وغيرها من الخدمات.

وارتفعت الأصوات المستاءة من القرار "العرفي" على مواقع التواصل الاجتماعي التركية اليوم الجمعة، حيث انتشر هاشتاق "لا تلمس نتفليكس خاصتي" على تويتر، وقام المستخدمون بمشاركة صور غير واضحة المعالم أو معدّلة لشخصيات في أفلام شهيرة على نتفليكس.

وكان البرلمان التركي وافق في مارس العام الماضي، بدعم من حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية، على إصدار هذا القانون المؤلف من 13 صفحة.

وبحكم القانون الجديد، يمهل المجلس من لا تتوافق أوضاعهم مع المعايير الواردة في القانون 30 يوماً للامتثال، إلا أن المسألة تبقى بعدم توضيح المجلس المعايير التي يجب على المحتوى الإلكتروني أن يلتزم بها.

ويقول أستاذ قانون في جامعة بيلجي بإسطنبول يمن أكدينيز لوكالة (د ب أ) إنه قبل صدور القانون، كانت تركيا تحجب أكثر من 245 ألف موقع إلكتروني بما في ذلك ويكيبيديا، وفرضت تركيا في الماضي أيضاً قيوداً على تويتر ويوتيوب، ولا تزال آلاف من حسابات تويتر محجوبة.

واليوم، أوضح نائب وزير الداخلية إسماعيل تشاتاقلي أنه خلال يوليو الماضي، استهدفت السلطات 3234 حساباً على منصات التواصل الاجتماعي بناء على مزاعم بالدعاية المتعلقة بالإرهاب.

وخلال تفحص الحسابات التي تتهمها السلطات التركية، يظهر حساب لـ"أنفلونسر - المؤثر" على تويتر يحمل اسم "بوكا"، وقد حكم عليه بالسجن 6 سنوات بسبب "ترويج تعاطي المخدرات" على خلفية منشورات كان مدير الحساب يعلق على أحداث مسلسل "ناركوس" الأمريكي الذي يعرض حصرياً على نيتفلكس وتدور أحداثه، المقتبسة من الحياة الواقعية، حول قصة تاجر المخدرات المشهور بابلو إسكوبار الذي أصبح مليارديراً بسبب إنتاج الكوكايين وتصديره لخارج كولومبيا.

وبحسب ما ذكره تقرير لصحيفة "حريات" لتركية، يتوجب لأي جهة تريد البث عن طريق الانترنت الحصول على رخصة من قبل السلطات التركية، و/أو إنشاء فرع لشركة مختصة بالبث على الأراضي التركية.

وحدد القانون الجديد تكلفة الرخصة بـ100000 ليرة تركية (18000 $)، وفي حال أراد أحدهم عرض منتجات أو بيع خدمات عبر البث المباشر على الانترنت، فإن تكلفة الرخصة قد تضاعف 5 مرات السعر المذكور سابقاً.

ويرى تقرير لموقع فونس بوليسي أن الضغط المتزايد على ما ينشر عبر منصات التواصل وشبكة الانترنت، من شأنه أن يكون أداة لكتم الأفواه المعارضة لسياسة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ويلفت التقرير إلى أن أغلب المشاهير العلمانيين، والفنانين والمؤدين والممثلين الذين تربوا على مبدأ الدولة المدنية التي تؤمن بحرية الكلمة والديمقراطية، باتوا اليوم في نظر القوانين الأردوغانية الجديدة أعداء للدولة.

ويؤكد الباحث في جمعية "الدفاع عن الديمقراطيات" مارف طاهر أوغلو، أن الحكومة التركية باتت أكثر تعصباً تجاه الآراء والأصوات الحرة بعد الاحتجاجات التي أغلقت العديد من الأقاليم التركية في 2013 على خلفية احتجاجات منتزه غيزي، "عندما انضم العديد من الفنانين البارزين إلى المظاهرات المناهضة للحكومة على مستوى البلاد".

ولم تكن الناشطة على منصات التواصل "بوكا" الأولى في بلد يسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي تواجه حكماً بالسجن، إذ سبق أن أدينت ملكة جمال تركيا في 2016 بتهمة إهانة الرئيس التركي بعد نشرها قصيدة على انستغرام وحكم عليها بالسجن 14 شهراً. كما تعرض الممثل ميميت علي الابورا لمضايقات قضائية أيضاً على خلفية التغريدات بشأن احتجاجات غيزي، على الرغم من اختياره بريطانيا منفى طوعياً هرباً من البطش الأردوغاني، وفي العام الماضي، تم سجن المغني "إزيل" لنشره مقطع فيديو ينتقد النظام الحاكم في تركيا.

وفي مايو الماضي، أوضحت المفوضية الأوروبية أن آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتلاشى، بخاصة مع تدهور الأوضاع في المحاكم والسجون. بسبب "المزيد من التراجع الخطير" في مجالات حقوق الإنسان، في ظل ما تعتبره حكومات الاتحاد الأوروبي انزلاقاً للحكم الاستبدادي.