مقبرة الموظفين

رغم بشاعة هذا الوصف الذي يطلقه الموظفين المتذمرين على وظائفهم أو على جهات أعمالهم عموماً، ورغم ما فيه من مغالطة واضحة للحقيقة؛ إلا أنه يعبر تعبيراً صريحاً عن عقليات أولئك المتشائمين الذين ينظرون دائماً للجانب السلبي من جميع الأمور، ولو افترضنا أولاً صحة الإدعاء الذي يزعمونه بأن الوظيفة أو جهة العمل التي يعنونها كالمقبرة، فإن المقبرة وكما هو متعارف لا يخرج من يدفن فيها إلا بمشيئة الله العزيز الحكيم وذلك يوم القيامة؛ لذلك فإن التشبيه بهذا التعبير المجازي يحمل الكثير من المغالطة وإن كان القصد من ورائه هو عدم الخروج إلى مكان آخر.

ثانياً عزيزي الموظف المتشائم المتذمر من وظيفتك أو جهة عملك وتريدها أن تكون كما تحب أنت وليس كما يجب أن تكون هي، هل تعلم أن اللحظة التي تغادر فيها وظيفتك أو جهة عملك هناك العديد من الفرص التي تسنح لموظفين آخرين، والعديد من الفرص التي تسنح لعاطلين ينتظرون هذه اللحظة، فعندما تنتقل من وظيفتك إلى وظيفة أخرى أو من جهة عملك إلى جهة عمل أخرى تأكد بأن هناك موظف آخر سيستفيد من موقعك وسيسعى بكل ما أوتي من جهد لإثبات جدارته وإظهار إبداعه في هذا المكان الذي كنت تراه سيئاً ويراه حلماً، وهل تعلم أيضاً بأنك عندما تغادر وظيفتك إلى وظيفة أخرى خارج جهة عملك فسيتم على الأرجح تعيين موظف آخر كان عاطلاً وأتته الفرصة على طبق من ذهب؛ وسيفتح الله له أبواباً كانت مغلقة بسبب هذه الوظيفة التي ستكون مصدراً لرزقه.

وهل تعلم كذلك بأنك عندما تغادر وظيفتك إلى وظيفة أخرى خارج مقر عملك فستكون الفرصة مواتيه لموظفين آخرين للترقي على هذه الوظيفة الشاغرة إن لم يعين عليها موظف جديد.

فكيف تكون الوظيفة أو مقر العمل مقبرةً أذاً؟

إن الذين ينظرون من هذه الزاوية الضيقة لوظائفهم هم أناس سلبيون، لا توجد لدى الكثير منهم مقومات الإبداع التي تتطلبها الوظيفة، تسيطر على الكثير منهم عقلية الشح التي يرى أصحابها بأن الحياة في غاية السوء وأن الفرص قليلة وأن الشر أكثر من الخير وأنهم لا يستطيعون عمل شيء لتغيير أوضاعهم أو لتغيير مجتمعاتهم، رغم أن الكثير منهم يحملون الشهادات العليا ويرفلون بالنعم الأساسية التي حرم منها غيرهم ممن لا يستطيع العمل بسبب مرض أو إعاقة أو عدم ملائمة.

إن الموظف المبدع هو الذي يفكر بعقلية الوفرة فيرى الخير في كل مكان ويعلم بأن كل صعوبة أو مصيبة خلفها من الفرص العظيمة ما الله به عليم، ولا ينظر لوظيفته أو جهة عمله بأنها هي مصدر الرزق الوحيد فقط، فبما منحه الله من فكر وقدرة يستطيع من خلالهما أن يعمل من أي مكان وفي أي وقت، لذلك فهو لا يتحسر على فرصة تضيع أو ترقية تذهب لغيره؛ لأنه قادر على صنع الكثير من الفرص ليس لنفسه أو لمجتمعه فقط بل للعالم أجمع.