ديموقراطية السذج وتنظيم الحمدين

أثناء مرحلة البحث والتقصي التي عشتها في فترة إنجاز الفيلم الوثائقي البحث عن المؤامرة الذي ظهر على شاشة قناة العربية، اكتشفت الخلطة السحرية لأكاديمية التغيير وشبيهاتها في صناعة الأحداث والثورات والانتفاضات وأنا في صدد إنجاز كتاب عن تلك المشاهدات والأسرار، وقرأت مؤخرا كتاب «ديمقراطية السذج» للأكاديمي جيرار برونيه (٤٥ سنة) المحاضر فى جامعة "باريس ديدرو" والذي يبدو أن كمية الكلام الذى ينتج كل لحظة على مختلف أنواع الشاشات المتصلة بشبكة الانترنت استفزته فقام بتأليف كتاباً يُحلل فيه الظاهرة بمنطق نقدى بامتياز وبحجج متماسكة كفيلة بإقناع القارئ بوجهة نظره، واختار «ديمقراطية السذج» عنوانا للكتاب
ويطرح جيرار السؤال الأعم: كيف يمكن نشر الأحداث المختلقة أو «المفبركة» المنتجة على صفحات «الويب» أولاً وتصديقها من قبل قطاع كبير من الجمهور ثانياً...
بل كيف يمكن لمثل هذه الأحداث «التى لم تحدث!» أن تؤثر فى قرارات السياسيين ومن ثم تُشكل فى النهاية جزءا من واقعنا الحياتي.

المؤلف لا ينفى قطعاً أن ثمة حقائق فى خطاب «الويب»، لكنه يؤكد أن ثمة أكاذيب أيضاً السبب أو بالأحرى من الأسباب الرئيسية التى أدت لظهور وانتشار مثل هذه الأكاذيب هو التنافس الشرس بين وسائل الإعلام التقليدية، تلك الوسائل التى وجدت نفسها وفقاً لقواعد السوق الإعلامية المعتمدة على السرعة فى نشر الأخبار الجديدة ، تضطر للتفاعل هى الأخرى على ما يُنشر على الإنترنت التى أصبحت هى ذاتها لها مواقعها عليه كنوع من التنافس المحموم والذي مس عنصرا جوهريا فى مهنة الإعلام يتعلق بصحة الحدث المنقول من الشبكة،  خبر قد لا يكون صحيحاً ينشره مواطن ما فى دولة ما، ثم يتبناه العشرات ثم المئات ثم الآلاف، فيتحول إلى واقع.
هنا تحديداً نفهم معنى «ديمقراطية السذج» : حرية تبادل الآراء والأفكار المتداولة على الإنترنت بغض النظر عن صحتها.
السذج الذين يصدقون أى شىء مهما كان غريبا ولعلكم تذكرون تصريح استعمال الجيش البحريني لطائرات الاباتشي في قصف المتظاهرين في البحرين وهي احدى الاكاذيب التي سوقتها جمعية الوفاق الشيعية الاسلامية المنتمية الي ما يعرف بولاية الفقيه وكيف ان الكثير من السذج من عامة الناس وحتى الشخصيات القيادية في تلك الجمعية او حلفائهم قامو بالترويج لهذه الكذبة وهنالك من خرج علي الفضائيات ليحلف بالله العظيم انه شاهد تلك الباتشي المزعومة!!!
يقول جيرار: دائما تُذكر كلمة ديمقراطية حين نتحدث عن الإنترنت ، ومعناها يكون صحيحاً لو كنا نقصد حرية التعبير وتداول ونشر المعلومات ، لكن لابد أن نرتاب من الزعم أن ما نقرأه على الانترنت يُعبر عن الرأى العام..
حيث يمكن لمجموعة منظمة تنظيماً جيداً أن تخلق على الويب ببساطة وبسرعة ما يمكن أن يطلق عليه «الأغلبية الوهمية» والتى ليس لها أدنى علاقة بالديمقراطية الحقيقية والإنترنت فى الواقع ليس إلا وسيلة من وسائل نشر المعلومات والأخبار لكن النشر يُصاحبه هذه المرة نقل المشاعر المرتبطة بالمعلومة وحيازة الدعم بشأنها.
هذه الظاهرة أعكف الآن على دراستها واقصد ظاهرة بثِّ الأخبار الوهمية والمفبركة وهي ليست ظاهرة جديدة ولكنها الآن تستخدم على نطاق واسع الانتشار وكأن هناك مؤسسة محترفة تنظِّمها وتصوغها فى أُطُرٍ موحَّدة ليلتقطها الصحفيون الذين يستعذبون التهويل والأكاذيب والإشاعات.. يسقط فيها الجميع: السذّج وأصحاب الهوى وحسنو النيّة أيضًا من الناس .. أكثر ما لفت نظرى -خصوصًا- فى الأخبار المصحوبة بفيديو أنه لا توجد صلة حقيقية بين عنوان الخبر، وبين النص المكتوب تحته، ولا بينهما معًا وبين الكلام المسجل في الفيديو، اللهم إلا علاقة هامشية.. ويبدو لى من دراسة تعليقات القراء أنهم لم يفهموا اللعبة، فسقطوا فى مصيدة التشويش.

تنظيم الحمدين صرف المليارات من أجل أن يسيطر على سوق الإشاعات والأخبار المفبركة حتى أنه دفع باخر مؤسساته الإعلامية( الجزيرة) التي كانت تستخدم خطاب التضليل المحترف لوحل مستنقع الأكاذيب والإشاعات بعد أان ساهمت المقاطعة المباركة بقطع الكثير من أذرعه الاخطبوطية حول العالم.