إيران والتغيير القادم «2/2»

بعد ان نشرت الجزء الأول من المقال كان هناك بعض المشككين كالعادة فيما انشر بخصوص مستقبل إيران المظلم. لكن لنعد للتأريخ بعجاله ونفهم هذا البلد الذي جاء تكوينه السياسي بناء على رغبة غربية خالصة في جمع اكثر من قومية واكثر من إقليم لتكوين حائط صد قوي ضد الثورة البلشفية التي عزلت ال رومانوف سنة 1917، وفي ذات الوقت لتكون دولة سهلة الاختراق وسهل التحكم بها مستقبلاً وهذا ما حصل فعلاً مراراً وتكراراً.

فاول مثال على ذلك صعود نجم الشاه/ رضا بهلاني والذي غير لقبه إلى بهلوي، بسرعة الصاروخ من جندي بسيط إلى ضابط جيش فقائد لفرقة القازاق التي قوامها 6 الاف عسكري فوزيراً للدفاع ثم رئيساً للوزراء ثم ملكاً في بضع سنين فقط في عشرينيات القرن الماضي.

لكنه، اي هذا الشاه ولأنه فكر مجرد تفكير سنة 1941 بالتحالف مع المانيا اثناء الحرب العالمية الثانية تم عزله ونفيه مع اسرته عدا ابنه محمد الذي اصبح ملكاً وابنته اشرف.

كل هذا حصل بسرعة البرق بما في ذلك الحرب الخاطفة لساعات في ميناء المحمره على ضفاف شط العرب حيث تمت مهاجمة السفينة الحربية الإيرانية هناك وهرب منها الضابط والجنود الإيرانيين بسرعه معلنيين انهزامهم هزيمة مذلة بلا مقاومة تذكر.

المثال الثاني، وبعد وصول الشاه/ محمد رضا للسلطة بسنوات قام بالهرب سنة 1951 لإيطاليا ليتسلم السلطة رئيس الوزراء / محمد مصدق لعامين تقريباً والذي قام بدوره بتأميم النفط لتنتهي صلاحيته ويعود بعدها الشاه/ محمد رضا الخائف من العودة بعد ان طمئنه رجال السي أي ايه، فعاد ملكاً عام 1953 من جديد، بعد انهاء الاحتكار البريطاني للنفط الاحوازي الواقع تحت هيمنة إيران.

وكأنها كانت مسرحية استمرت لمدة عامين واستفادت منها أمريكا لتضع يدها على النفط الاحوازي لأول مرة في تأريخها منهية الاحتكار البريطاني له.

واليوم، ورغم من حصل من مسرحية سريعة أخرى يوم امس من رحلة مكومية لجواد ظريف وزير خارجية نظام الملالي الذي ما ان رجع من فرنسا حتى تم استدعائه من جديد لها قبل ان يأخذ أي قسط من الراحة ليقابل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اجتماع جانبي لقمة الدول السبع، الا ان الصرامة الامريكية انهت المحاولات الفرنسية لترطيب الأجواء وبقت حالة الشحن مستمرة. ليعود السيد/ ظريف من جديد بخفي حنين!

من جهتها إسرائيل تسرع وتيرة انهيار نظام الملالي من خلال ضرباتها المركزة على قوات الحرس الثوري الإيراني واذنابه بالمنطقة في كلاً من العراق وسوريا ولبنان حيث يدك سلاح الجو الإسرائيلي تلك الحشود بسهولة ويسر ودون خوف او وجل من تهديدات فارغة لا تغن ولا تسمن!

بل تركز تلك الهجمات على مخازن الأسلحة والمعسكرات وبشكل شبه دوري وكأنها في مهام تدريبية ميدانية لتكسر ظهر تلك القوات محاولةً اجبارها على الالتزام بضوابط متفق عليها مسبقاً مع أمريكا وروسيا والتي بدورها تشاهد ما يحصل وتكتفي بالمشاهدة وبالصمت المطبق حيال ما يحصل لنظام الملالي الذي يتفاخر بأن ظهره قوي بتحالفه مع روسيا!

في المقابل دول الخليج العربي تقف بين المتفرج والمدافع عن دولهم ضد المؤامرات والفتن الإيرانية المستمرة دون ان يكون لهم مشروع واضح المعالم لادارة الصراع العربي الفارسي.

بل ان بعضهم يحاول مسك العصا من المنتصف وذلك بالقيام باستثمارات في إيران او تشجيع الاستثمارات الإيرانية بدولهم لدرء اخطار نظام الملالي ببناء مصالح اقتصادية مشتركة تكون حائط صد لحماية الخليج العربي ودوله.

ولكن هذه السيناريوهات جميعها اثبتت فشلها الذريع. فلم يتوقف العدوان الإيراني على الخليج العربي ودوله وحتى على قطر! فاول تهديد من نظام الملالي جاء ضد قطر الحليف لهم!!!

فالملالي يعلمون تمام العلم بأن في حالة وقوع حرب ضدهم، فقاعدة العديد القطرية ستكون رأس الحربة لمهاجمة جغرافية ما يسمى إيران حيث تتمركز هناك مركز القيادة الجوية للقوات الامريكية في منطقة الخليج العربي.

أي ان نظام الملالي لا يعرف صديقاً ولا حليفاً عربياً وانما مجرد مصالح انية! والدليل على ذلك التهديد الإيراني المستمر للملاحة في الخليج العربي لاسيما حركة ناقلات النفط وحتى التهديد بازمات مفتعلة لمحطات تحلية المياة في الخليج العربي لضرب العرب بالعطش!

وتأتي أهمية الردع العربي عموماً والخليجي خاصةً لإيران نتيجة استماتة نظام الملالي في محاولاته المتكررة والبائسة لتدمير الدول الخليجية بالذات.

ففي حرب اليمن، ايعقل ان تكون مليشيا الحوثي قادرة على منازلة السعودية!!!

فالدعم الإيراني يشمل السلاح بما فيه الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وغيرها من أسلحة وذخائر وخبراء عسكريين ومستشارين عرب (حزب الله اللبناني) وإيرانيين، وتهريب لكل ما يحتاجة الحوثيين.

وبالتالي الخطوات التالية اراها مهمة لدرء اخطار نظام الملالي ولحماية الامن الوطني والقومي لكافة دول الخليج العربي، وذلك بالتعامل بالمثل احياناً وسلك بعض الخطوات الأخرى كما يلي:

اولاً: دعم كافة القوميات المحتلة في جغرافية ما يسمى إيران من عرب وبلوش واكراد وغيرهم عدا الفرس، بكافة السبل وتأهيلهم ليكون لهم دور في إيران ما بعد الملالي.

ثانياً: عدم الاكتفاء بدعم شخص واحد كمثال الراحل علي عبدالله صالح، او حتى حزب واحد وانما توزيع الدعم على اكثر من جهة للقومية الواحدة نفسها. لاسيما العرب الاحوازيين الذين في حالة انفصالهم، ستنتهي أزمات الخليج العربي مع العدو التأريخي الفارسي بشكل شبه نهائي.

ثالثاً: تكوين اذرع عسكرية ودعمها مادياً وعسكرياً وتدريبياً لكافة القوميات عدا القومية الفارسية ايضاً، كما فعلت إيران مع حزب الله اللبناني منذ 1982 وفيلق بدر العراقي منذ 1985 وتأسيس الكثير من المليشيات الأخرى بعد عام 2003 في العراق وسوريا وباكستان وافغانستان. والذين يحارب الكثير منهم في سوريا اليوم تحت مظلة الحرس الثوري الإيراني!

ويجب ان يكون الدعم مدروساً ومناسباً وبعيداً عن البهرجة الإعلامية والسماسرة والمتنفعين، مع استبعاد المهرجين والانتهازيين وحتى العملاء لنظام الملالي.

فالعملية معقدة لكنها ليست مستحيلة، ولها منافعها الجمة مستقبلاً.

وكل ذلك ضمن توجه سياسي ذكي بعيداً عن ضرب المصالح العالمية لاسيما للدول الكبرى بعرض الحائط، او التغريد خارج السرب، وانما يجب ان تكون للسياسة الخليجية الخارجية تأييد عالمي مبني على اقناع بالدرجة الأولى ومصالح قوية وليس هبات وصفقات زائدة عن الحاجة أوتنفيع لبعض الأشخاص او الجهات.

واحب ان اشير هنا إلى انني لست عنصرية ولست ضد ضد القومية الفارسية التي احترمها. ولكن يجب ان نكون على بينة بأن الصراع بالأساس هو صراع قومي خالص عربي مهادن وفارسي متزمت وحاقد.

والتأريخ يخبرنا ان الكثير من القيادات العربية دعمت الفرس دعماً بافراط جعلهم يعضون أصابع الندم او حتى يدفعون ارواحهم ثمناً لهذا الخطأ الفادح.

وافضل مثال على ذلك صدام حسين، الذي دعم الخميني وجماعته لسبع سنوات عسكرياً وسياسياً واعلامياً ومادياً باعترافه شخصياً، فلما وصلوا للسلطة في طهران حاربوا العراق لثمان سنوات متواصلة ثم غدروا به عام 1991 بعد ان خارت معظم قواه نتيجة حرب عاصفة الصحراء.

ولم يتعلم صدام من هذا الدرس، ودعم مسعود رجوي وجماعته (مجاهدين خلق) ولم ينل منهم شيء يذكر وبالمقابل كانوا اول من طعنه بالظهر عام 2003 قبيل سقوط نظامه.

بل ان الكثير من الإعلاميين الذين فتحت لهم القنوات الفضائية العربية أبوابها كمحللين للشأن الإيراني كانوا اول من هاجم الدول الخليجية، واسمائهم كثيرة ومعروفة للجميع، بمن فيهم عائلة دينية شيعية ذهب بعضهم كلاجئين في بريطانيا بعد ان اسبغت عليهم الدول الخليجية من أصناف النعم والعطايا والهبات وبعد ان طعنوا العرب طعنات غدر وحقد.

فهل تتغير السياسة الخليجية ام تبقى في مقام الذي يتلقى الضربات ويواجه المصاعب بشجاعة ويدافع دفاع الفرسان النبلاء المثاليين دون إدارة شمولية للصراع؟

فخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وكفى ما حصل ويحصل والانفاق العربي على الحروب والامن والحماية بدلاً من استثمار العائدات الوطنية في التنمية.

اياً يكن التوجه الخليجي فأن الغرب في طور تغيير نظام الملالي القابع في طهران عاجلاً ام اجلاً فلقد قاربت مدة صلاحيتة على النهاية مثل نهايات 1941، 1951، 1953 و1979. والاتيان بنظام اخر اكثر نفعاً و اجدر لادارة الأمور للمرحلة المقبلة.

لمشاهدة المقال السابق:

إيران والتغيير القادم «1/2»