العقيد المالكي: انتشار الشائعات والأخبار الزائفة أمر معتاد في الحروب

أكد متحدثون في ندوة "القيم الإعلامية في عصر الإعلام الجديد"، التي نظمتها جامعة الطائف، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لسوق عكاظ في سنته الثالثة عشرة، ضمن موسم الطائف أمس، أن الدراسات الحديثة جميعها تفتقر لتحليل جاد لظاهرة الإعلام الجديد.

ولفتوا إلى أن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لا يمتكلون القدرة المعرفية، ويفتقرون إلى التفكير المنظم، وانهيار حدود الضوابط، مبدين مخاوفهم في حال استمر هذا الهجوم على القيم أن يتحول الأمر إلى عادة يظن الجيل الجديد أنها قانون حياة وأسلوب معيشة.

وشارك في الندوة كل من المتحدث باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن العقيد الركن تركي المالكي، والدكتور فهد الشليمي، والدكتور عبدالرحمن العبدالقادر، والإعلامي سلطان القحطاني، وأدارها الدكتور شاكر الذيابي.

وقال الدكتور عبدالرحمن العبدالقادر، في ورقته، إن الاستخدام المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي يخلق أشخاصًا سطحيين وضحال العقول يفتقرون إلى التفكير المنظم، ويعانون من الفقر المعرفي، وغاية ما ينشدونه هي المتعة الوقتية، إذ سيطر تويتر على السوق في المملكة، وأصبح المصدر الأول للأخبار، والمصدر الأول في تشكيل الرأي العام، ويأتي هذا وَفْق دراسات أكدت هذا الأمر.

وأكد "العبدالقادر"، أنه ليس بمقدور المختصين والباحثين مواكبة هذا التسارع الهائل لعالم الاتصال في عصر الإعلام الجديد، منوهًا بافتقار أغلبية الدراسات التي تناولت ظاهرة الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي إلى نظرية تفسيرية جديدة قادرة على التعمق في بحث جذور الظاهرة، واستجلاء تأثيراتها ومدى قوتها.

وأشار إلى أن الإعلام الجديد، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، كسرت الحواجز الاتصالية بين المجتمعات، وسمحت للأفراد من ثقافات مختلفة بالتواصل المباشر والدائم، ونتج من ذلك إعادة صياغة القيم.

وعرّف "العبدالقادر": "قيم الإعلام الجديد" بأنها معايير يكون من خلالها معرفة الصحيح من الخطأ، وهي تساعد الإنسان في الاختيار بين البدائل المختلفة وَفْق ما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب، باختلاف ذلك من مجتمع إلى آخر.

من جانبه، قدّم العقيد الركن تركي المالكي، في ورقته، تشخيصًا للعلاقة بين القيم الإعلامية والإعلام الجديد بمفهومة الشامل، مشيرًا إلى ثلاثة أمور يجب توافرها لإيصال الرسائل الإعلامية وهي المصداقية، والحقيقة، والشفافية، ومن خلال هذه القيم سنجد دائما وثوق المتلقي مصداقية هذه الرسائل الإعلامية، لا سيما أمام تسارع الإعلام والحاجة لاطلاع الرأي العام على صغير المواضيع وكبيرها.

وقال العقيد المالكي، إن انتشار الإشاعات والأخبار الزائفة أمر معتاد في الحروب، لكون المصادر على الأرض شحيحة، وفي مواجهة الإشاعات والأخبار الزائفة يحرص الإعلام العسكري بالمؤسسات الإعلامية الرصينة على إيصال الرسالة للرأي العام بالشكل الصحيح.

وأفاد بأن الفروق بين الإعلام العسكري وأشكال الإعلام الأخرى تتمثل في الجوانب الإنسانية، مستشهداً في ذلك بمشاركة القوات المسلحة في مواسم الحج، وإبراز تلك الجهود الإنسانية إلى العالم، لافتاً إلى أن ثورة التقنية غيرت في الإعلام العسكري.
واختتم المالكي ورقته بالإشارة إلى دور واضح للإعلام العسكري في تبيين ومساندة العمل والرؤية الميدانية في نقل المعلومة الصحيحة، كما أن "قوة الإرادة والعزيمة والشفافية والمصداقية" في قيم الإعلام الجديد ستتفوق وتتقدم وتنجح.

وفي ورقة أخرى، أكد الدكتور فهد الشليمي، أن المحرض والمضلل يستند في بث سمومه الإعلامية إلى خطاب الكراهية والعنصرية والشعبوية والمظلومية وتجييش العواطف وتغييب العقول ونشر الفوضى عبر استخدام وسائل نشر متنوعة وبشكل متزامن، من خلال الإعادة والتكرار، وذلك من أجل إيهام المتلقي بأن الخبر صادق في عصر الإعلام الجديد.

وتطرق "الشليمي"، إلى نماذج من أبرز الأخبار الملفقة والتحريضية والمضللة التي نشرت عبر وسائل الإعلام والجهات التي فقدت مصداقيتها وموضوعتيها بين المشاهدين.

وقال إن وسائل الإعلام التحريضية تعتمد أيضاً على الإعادة والتكرار والإحصاءات المشبوهة غير المدققة، مطالباً بسرعة بث الجهات الإعلامية الرسمية الأخبار الصحيحة، وجعل القارئ هو من يبحث ويتحقق من مصادر الأخبار وسيتفق في صحتها.

بدوره، أكد الإعلامي سلطان القحطاني، أن البعض يحاول من خلال الإعلام الجديد بث قيم جديدة لاعلاقة لها بمنظومة القيم المتعارف عليها التي بنيت عليها المجتمعات في المنطقة.

وأضاف : "أصبحنا نرى كثيراً مما لا يجب أن يرى، وسمعنا كثيراً مما لا يجب أن يقال، وأن الكلمة لا تخرج في الصحيفة، أو المنصة الإعلامية، إلا بعد تدقيق مطول، ولا يظهر المذيع إلا بعد تدريب مكثف، وكانت هناك دورة طبيعية محكومة الإيقاع، مضبوطة النغم، ليكون المنتج متوائماً مع قيم البلاد والعباد والمهنة، أما الآن فكلٌ يستطيع أن يقول كل ما يريد حيثما يريد ووقتما يريد".

ونبه إلى انهيار حدود الضوابط، والخوف في حال استمر هذا الهجوم على القيم، وأن يتحول الأمر إلى عادة يظن الجيل الجديد أنها قانون حياة وأسلوب معيشة، مفيداً أن السيل العارم من المحتوى الإعلامي وغير الإعلامي الذي جعل لكل ساعة صغيرة قصة كبيرة، جعل من الصعوبة على كثيرين إيجاد وقت للتدقيق والنقد والمراجعة.

وطالب في ختام الندوة بدراسة تأثير الإعلام الجديد في منظومة القيم لتحليله واستيعابه، حتى تتضح الصورة أمام جيل حائر، أو مأخوذ برؤية هذه القيم تتساقط أمامها من دون حساب، مؤكداً أن الهجوم الذي تتعرض له القيم ، تتعرض له المهنة أيضاً، فلقد دارت عليها الدوائر، وتقلص تأثير كثير من وسائل الإعلام، ولم تعد تملك تلك المرونة التي تؤهلها للتعامل مع سوق متغير، وقارئ جديد.