استثمارات قطر تهرب من تركيا

نشر موقع "المونيتور" تقريراً يتحدث عن تنصل الدوحة من تعهدها باستثمار 15 مليار دولار في تركيا، والذي تم في ذروة أزمة العملة التركية العام الماضي، بسبب تعنت أردوغان ومحاولته منافسة أقوى دولة في العالم (أمريكا) اقتصادياً.

ومن عادة الدوحة التنصل من التزاماتها عربياً وإقليمياً وحتى عالمياً، إلا أن تركيا صدقت الوعود القطرية "بفرش الأرض حريراً لأردوغان"، وجاء نكث الوعد بخيبة أمل كبيرة لدى أنقرة.

التنصل القطري يعمق جراح الاقتصاد التركي، ويبدو أن انسحاب المستثمرين القطريين من تركيا تزامناً مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها هي "القشة التي ستقسم ظهر أردوغان".

الخمسة شهور الأولى من 2019 خرج خلالها ما يربو على 4.6 مليار دولار "استثمارات قطرية" من سوق إسطنبول للأوراق المالية، وفقًا لأرقام صادرة عن "مركز الأوراق المالية المركزي في تركيا"، نشرتها صحيفة "دنيا" التركية اليومية، وسجل 700 مليون دولار انخفاضاً في محافظ استثمارية قطرية، حيث بلغ إجمالي المحافظ التي يمتلكها المستثمرون القطريون نحو 10.2 مليار ليرة تركية، ما يعادل 1.8 مليار دولار حتى مايو (أيار) بانخفاض أكثر من 35%، ما يعادل 700 مليون دولار أمريكي مقارنة بـ14.7 مليار ليرة، أي 2.5 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) 2018.

وتطرق التقرير إلى ملف الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي أشار إلى انخفاض حجم أسهم القطريين بقيمة 38 مليون دولار خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري، ليبلغ إجمالي الاستثمارات القطرية الرئيسية المعروفة في تركيا نحو 6 مليارات دولار، وجميعها تعود إلى سنوات ما قبل عام 2018، وتشمل 2.9 مليار دولار مستثمرة في بنك "فيناس بنك" و1.2 مليار دولار في شبكة "دغيترك" الفضائية، و770 مليون دولار في شركة "بيونيرهولدينغ"، و654 مليون دولار في بنك "آيه بنك"، و470 مليون دولار في شركة إنتاج الدواجن "بانفيت"، و125 مليون دولار في شركة "بي.أم.سي" لصناعة السيارات المدرعة، بالإضافة إلى أن هناك نحو 120 شركة قطرية نشطة في تركيا، ومع ذلك كله فإن حجم الاستثمارات المعروفة لا يرقى إلى الرقم الذي تعهد به أمير قطر تميم للرئيس أردوغان من  أجل دعم الاقتصاد المنهار.

المليارات ذهبت مع الريح

في خطوة أولى بعد التعهد بمبلغ 15 مليار دولار، وقع البنكان المركزيان التركي والقطري على اتفاقية لـ"تبادل العملات" في أغسطس (آب) وبموجبها قاما بمقايضة مبالغ تعادل 3 مليارات دولار، لكن "مقايضة العملة" بين البنوك لا يمكن اعتبارها استثماراً، وفقاً لما صرح به الخبير الاقتصادي التركي أوغور غورسيس، ليومية "دنيا" التركية، موضحاً أن "العملية لم تتجاوز زيادة محدودة للاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي التركي".

وقال غورسيس إنه يعتقد أن "التعهد القطري بدعم بقيمة 15 مليار دولار، الذي أعلن عنه كان بمثابة "لفتة" للتضامن وكان في الواقع إعلان "حسن نوايا قطرية طويل الأجل".

وأشار غورسيس إلى أن "الشركات القطرية، تعاني من مشاكل مالية وعجز في الميزانية، وأزمة في التدفق النقدي في بلادها، فكيف لها أن تساعد تركيا؟!".

في سياق منفصل لا يزال الحديث طويلاً حول مشاريع صندوق الثروة السيادية القطري الذي يخطط لشراكة مع نظيره التركي، تشمل محفظته أصولاً عامة كبرى مثل الخطوط الجوية التركية وبنك زيرات وهالك بنك، ولكن لم يتم إطلاق أي خطة رسمية، ويعتقد الخبراء أن مثل هذه الشراكة غير مرجحة في وقت تنخفض فيه التصنيفات الائتمانية العالمية لأنقرة.

وأشار الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية لــ "إندبندنت عربية" خالد المنشاوي، إلى أن تركيا أصبحت بالفعل بلداً طارداً للاستثمار بفعل السياسات الاقتصادية التي تنتهجها إدارة أردوغان.

وتراجع مؤشر الثقة بالاقتصاد التركي بنسبة 11% على أساس سنوي، خلال يونيو (حزيران) الماضي، مقارنة بنفس الفترة من 2018، متأثراً في ذلك بهبوط عديد من القطاعات الاقتصادية بسبب أزمة الليرة.

ويبرر الرئيس أردوغان وأعضاء حكومته "حالة الهروب" التي ترفعها الاستثمارات الأجنبية بأنها تأتي في إطار نظرية "المؤامرة" على تركيا التي يرى "أردوغان" أنها تواجه حرباً اقتصادية تقودها أمريكا، وجاءت التحركات الأخيرة للمستثمرين القطريين بسحب استثماراتهم من تركيا لتكشف أن ما يسوقه "أردوغان" ما هو إلا مبررات بعيدة تماماً عن الحقيقة، وأن الاقتصاد التركي يواجه مشاكل كبيرة فعلاً يصعب على أردوغان حلها.

وفي ظل التهديدات التي تتعرض لها رؤوس الأموال الأجنبية في تركيا بسبب الانهيار الاقتصادي، اضطر عدد كبير من المستثمرين إلى اللجوء للخروج الآمن من السوق التركية متكبدين أقل خسائر ممكنة، وهو الوضع الذي يثير علامات الاستفهام حول الوضع المتردي لمستقبل الاستثمارات في تركيا تحت وطأة حكم رئيسها الحالي رجب طيب أردوغان.

وفي تقرير أعدته صحيفة "زمان" التركية، أشارت إلى أن الارتفاع السريع في سعر الدولار والفائدة والديون يضيّق الخناق على الاقتصاد في تركيا، ومنذ مطلع العام 2018 يتعمّق التدهور المنعكس على المؤشرات الاقتصادية.

وأوضحت الصحيفة أن "التراجع العنيف" في قيمة الليرة وتجاوز العجز الجاري حاجز الـ57 مليار دولار هذا العام وديون الشركات تسبب في هروب الكثير من الاستثمارات من السوق التركية.

ووفقاً لدراسة أعدها مركز الهجرة الدولية للثروات، فإنه من بين 90 دولة، احتلت تركيا المرتبة الثانية ضمن أكثر الدول انكماشاً للثروات بعد صديقتها فنزويلا، التي سجلت تراجعا سنويا بلغ 25%، حيث تصدر كل من كراكاس وإسطنبول قائمة أسوأ الاقتصاديات في العالم.

مبيعات عنيفة للعقارات

ووفق استطلاع أجرته وكالة "بلومبيرج"، توقع خبراء اقتصاد أن يشهد الاقتصاد التركي أزمة كبرى، حيث ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية بوتيرة أسرع إلى جانب ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 20.4%.

وبحسب هيئة الإحصاء التركية، تصدرت إسطنبول قائمة الولايات التركية الأكثر بيعاً للعقارات بـ235 ألفاً و55 وحدة سكنية، كان نصيبها 17% من إجمالي مبيعات قطاع العقارات.

وجاءت العاصمة أنقرة في المرتبة الثانية بـ 131 ألفاً و161 وحدة سكنية، بنسبة 9.5% من إجمالي المبيعات في أنحاء البلاد، واحتلت ولاية إزمير المرتبة الثالثة في قائمة الولايات الأكثر بيعاً للوحدات السكنية، حيث بيع فيها 75 ألفاً و672 وحدة سكنية، بنسبة 5.5%.

وارتفعت كذلك نسبة مبيعات القطاع من الوحدات السكنية إلى الأجانب خلال العام الماضي 78.4%، مقارنة مع مبيعات عام 2017. وبحسب الإحصائية، بلغ عدد الوحدات السكنية المبيعة للأجانب العام الماضي 39 ألفاً و663 وحدة.

كل ذلك يؤكد تحول تركيا للانحدار السياسي والاقتصادي، وإلى بلد طارد للاستثمار بفعل السياسات التي تنتهجها إدارة أردوغان في المنطقة والعالم، حيث حاول هذا النظام التنفع من مصائب الآخرين لتدور عليه عقارب الساعة الآن.