الدوحة في ورطة.. خططت ودبرت ومولت «غزوة منهاتن»

حددت جهات قضائية في الولايات المتحدة موعد أول جلسة لمحاكمة خالد شيخ محمد، المتهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وأربعة متهمين آخرين، هم: وليد بن أوتاش، ورمزي بن شيبه، وعمار البلوشي، ومصطفى الهوساوي.

وأفادت الأنباء الواردة من واشنطن بأن موعد المحاكمة هو يناير (كانون الثاني) 2021، ومكانها بمحكمة عسكرية تنعقد في خليج جوانتانامو في كوبا.

يأتي ذلك مع حلول الذكرى الـ18 لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وبعد تأجيل تلك المحاكمة لأكثر من مرة، و هي أول محاكمة تتم بعد نحو 20 عاماً من الهجمات التي طالت نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، وفي حال إدانتهم سيواجه المتهمون أحكاماً بالإعدام.

ويواجه المتهمون الخمسة، اتهامات تتعلق بجرائم حرب ومن بينها الإرهاب وقتل نحو 3000 شخص.

خالد شيخ محمد اعترف بأنه المسؤول عن أحداث 11 سبتمبر، بتخطيط ودعم قطري، وأُلقي القبض عليه في باكستان، في مارس (آذار) 2003، وتم احتجازه بمكان مجهول حتى تم نقله إلى سجن جوانتنامو.

وخضع شيخ محمد لتحقيقات في 15 مارس (آذار) 2007، واعترف بضلوعه في أحداث 11 سبتمبر، وبالتخطيط لتنفيذ 29 عملية إرهابية أخرى، بما في ذلك شن هجمات على مبنى ساعة بيج بن ومطار هيثرو في لندن، ومحاولة تفجير طائرة ركاب فوق المحيط الأطلسي، باستخدام متفجرات مخبأة في أحذية، وتفجير ملهى ليلي في جزيرة "بالي" بإندونيسيا، بالإضافة إلى هجوم آخر على مركز التجارة العالمي في العام 1993.

وقبل أحداث 11 سبتمبر؛ أقام شيخ محمد في قطر التي منحته جواز سفر ومنزلاً ووظيفة في إدارة الإنشاءات المائية، من خلال علاقته بوزير الداخلية القطري آنذاك عبدالله بن خالد آل ثاني، ما مثّل غطاء لأنشطته الإرهابية، ونوعًا من الحماية في الوقت نفسه، خاصة أنه كان مطلوبا لدى الأجهزة الأمنية الأمريكية، بعد أن ارتبط اسمه بعملية تفجير شاحنة بالقرب من مركز التجارة العالمي عام 1993، حيث تبين أن لديه نية واضحة لترتيب عمليات إرهابية كبيرة.

ولن تقف الاتهامات الموجهة لخالد شيخ محمد عند هذ الحد، بل يمكن إضافة أنه على صلة بمؤامرات جرت في الفلبين، استهدفت تفجير خطوط (ترانس باسيفيك) الجوية، فضلاً عن توجيه طائرة للاصطدام بمقر وكالة الاستخبارات المركزية، إلا أن المحاولة أجهضت في 1995.

العديد من التقارير الأمريكية، نهاية العقد الماضي، كشفت عن تاريخ "الدوحة" الطويل في جمع التبرعات المالية لتنظيم "القاعدة" وفروعه، وهو ما جعل رئيس لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني، فى ذلك الوقت، مالكولم ريفكيند يطالب بوجوب أن تختار قطر أصدقاءها، أو أن تدفع عواقب أفعالها.

ريتشارد كلارك، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب الأمريكية خلال فترة رئاسة بيل كلينتون، يشير إلى أن "بعض أفراد العائلة الحاكمة في قطر دأبوا على توفير ملاذ آمن لعناصر القاعدة، ومن بينهم شيخ محمد".

مسؤولون أمريكيون يقولون إن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ضاعت منهم فرصة القبض على المخطط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، لأنه كان يتمتع لحماية بعض أفراد العائلة الحاكمة في قطر، وعلى رأسهم وزير الداخلية السابق عبدالله بن خالد آل ثاني.

جاك كلونان، وكان يعمل محققاً في جرائم الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، يقول إن "سيارة تنفيذية حكومية مجهزة على نحو خاص ونوافذها معتمة، كانت تقف استعداداً لنقل محمد، لقد حددنا موقعه وكنا مستعدين للقضاء عليه، لكنه تلقى تحذيرا من المسؤولين القطريين بالخطة قبل تنفيذها بفترة وجيزة وتوجه إلى المطار".

أصابع الاتهام تشير أيضا إلى عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني، وزير الأوقاف ووزير الداخلية، بوصفه من أبرز المتورطين، والمتهم بإيواء 100 متشدد في مزرعته في قطر، من بينهم مقاتلون في أفغانستان، كما أنه مدهم بجوازات سفر لتسهيل تنقلاتهم عبر الدول، بمن فيهم خالد شيخ محمد، واستخدم ماله الخاص وأموال وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في قطر لتمويل قادة في فروع تنظيم القاعدة.

أما عبدالكريم آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، فقد قدم الحماية في منزله لزعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، أثناء انتقاله من أفغانستان إلى العراق عام 2002، ومنحح جوازاً قطرياً وموله بمليون دولار أثناء تشكيل تنظيمه شمال العراق.

ومن أفراد العائلة الحاكمة إلى مؤسساتها وتحديداً جمعية قطر الخيرية، التي تصنف أحد أبرز مصادر تمويل تنظيم القاعدة، ومدير جمعية قطر الخيرية كان عضواً في تنظيم القاعدة، وسهل سفر وتمويل أفراد في التنظيم من خلال نقلهم من إريتريا.

ومن القيادات التي تمت حمايتها قطرياً إبراهيم أحمد حكمت شاكر، الموظف السابق في وزارة الأوقاف القطرية والمتورط بالتنسيق في هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن.

أما قناة ABC news الأمريكية فكشفت أن زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، كان يتردد على قطر كثيرا، والتقى بعبد الله بن خالد آل ثاني في الفترة بين أعوام 1996 و2000، وكان وقتها يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الداخلية، هذا بخلاف تستره على 100 إرهابي وإيوائهم في مزرعته الخاصة بالدوحة وفقًا لوثائق صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية.

وكشف موقع أرشيف اللجنة القومية الأمريكية بشأن هجمات 11 سبتمبر أن خالد شيخ محمد، ورمزي يوسف، كانا يتلقيان تمويلات مادية وعسكرية من قطر لشن هجوم داخل الولايات المتحدة في 1991 أو 1992، ودعم عسكري بشأن تصنيع قنابل تُستخدم في الهجوم على مبنى التجارة العالمي، وهو ما لفتت اهتمام أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية في البداية كنتيجة لدورهما المميز في تفجير مركز التجارة العالمي الأول.

وكشفت وثائق وزارة الخزانة أيضا أن الأمير القطري عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني وفر لإرهابيين جوازات سفر سهلت تنقلاتهم بين عديد من دول العالم لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، ووظف الأموال الخاصة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطر لتمويل قادة تنظيم القـاعدة.

واتهمت المخابرات الأمريكية عبدالله بن خالد آل ثانى بمساعدة العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية، على الهروب من الدوحة، والإفلات من قبضة الاستخبارات الأمريكية التى كانت على وشك الإمساك به في الدوحة.

كما كشفت الوثائق الرسمية التابعة لـ"وزارة الخزانة" الأمريكية، التي نشرت في أكتوبر(تشرين الأول) 2014، أن التمويل القطري للقاعدة يتم عن طريق بعض رجالها، من أمثال سليم حسن خليفة راشد الكواري، الذي يوصف بـ "ممول القاعدة"، والمتهم "بتحويل "مئات الآلاف" من الدولارات لتنظيم القاعدة، فضلاً عن الدعم المالي غير المباشر عبر الأموال التي تدفعها قطر للتنظيم، تحت غطاء "الفدية"، من أجل الإفراج عن الرهائن.

كما تدعم قطر القاعدة إعلاميا عبر قناة الجزيرة، من خلال نشر بياناتها وموادها الإعلامية، وبث جميع مقابلات ورسائل قادة التنظيم، وفي مقدمتهم زعيمها الحالي أيمن الظواهري، إضافة إلى الحوارات مع قادة التنظيمات التابعة له ورموزها.

فحسب ما ذكره خالد شيخ محمد، العقل المدبر لتفجيرات الحادي عشر من وبتمبر، وما كشفت عنه وثائق "أبوت أباد" لأسامة بن لادن، التي تمت مصادرتها خلال الهجوم على مقره بباكستان، فإن خالد شيخ محمد اختبأ لعام كامل في منزل وزير الداخلية القطري، الأمير عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني، قبل ورود معلومات بوجود فرقة أمريكية تسعى للقبض عليه الأمر الذي سرع بخروجه من الدوحة بجواز سفر دبلوماسي متوجها إلى باكستان، حيث تم القبض عليه هناك.

هناك أيضا شخصيتان رسميتان قطريتان يعتبران من أكبر ممولي تنظيم "القاعدة"، وتم وضعهما، بحسب ديفيد كوهين، نائب وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، على القائمة السوداء العالمية للإرهاب، هما خليفة محمد ترك السباعي، الموظف في البنك المركزي القطري، وعبدالرحمن بن عمر النعيمي، الذي يعمل مستشارا للحكومة القطرية، وعلى علاقة وثيقة بالأسرة الحاكمة.

ويتصدر أيضا القطريان سالم حسن كواري وعبدالله غانم خوار القائمة السوداء لأهم داعمي وممولي الإرهاب الأمريكية حيث تتهمهما واشنطن بترأس أهم شبكات تمويل "القاعدة" في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، (في العراق وأفغانستان وباكستان)، وفقاً لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية عام 2011.

وفي عام 2007 تم وضع وتصنيف خليفة محمد تركي السبيعي، أحد كبار رجال الدولة القطرية، على قائمة "تمويل الإرهاب"، وفي تقرير "اللجنة الوطنية حول هجمات 11سبتمبر" إشارة إلى دور بعض المؤسسات القطرية مثل "الجمعية القطرية الخيرية" في تمويل تنظيم "القاعدة"، منذ بدايات التسعينيات، وكذلك دور الأمير عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني في إيواء ودعم وحماية خالد الشيخ محمد، أحد المهندسين الأساسيين لهجمات 11 سبتمبر.

وقالت تقارير استخباراتية أمريكية إن العلاقة مع "القاعدة" تجاوزت عبدالله بن خالد آل ثاني، وأن هناك أفراداً آخرين من العائلة الحاكمة القطرية تعاطفوا مع التنظيم ووفروا ملاذاً آمناً لعناصره، كما أن أموال دعم التنظيم كان يتم تحويلهاعبر البنوك القطرية لعناصر التنظيم الإرهابي.

تقول صحيفة "ذا هيل" الأمريكية في مقال لسلمان الأنصاري، رئيس لجنة الشئون العامة الأمريكية السعودية في واشنطن، إن "خالد شيخ محمد استخدم قطر كمركز أطلق منه الإرهاب"، مشيراً إلى أنه قد عمل في الدوحة وعاش فيها، ومنها خطط ونفذ أفعاله الإرهابية.

وتابع قائلا إن "قطر عملت بمثابة حلقة وصل لخالد شيخ محمد، فقد سافر عضو القاعدة باكستاني الجنسية إلى الفلبين عام 1994 للعمل على مؤامرة بوجينكا، التي كانت تهدف لتدمير 12 طائرة تجارية بين الولايات المتحدة وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا، وتردد على الدوحة على الأقل مرتين خلال 1995 و1996، وخلال تلك الفترة رعاه وزير قطري".

وأظهرت وثائق سرية أمريكية أن ثلاثة قطريين قاموا بعملية استكشاف لمواقع الهجمات في أمريكا، خاصة مركز التجارة العالمي والبيت الأبيض والبنتاجون ومقر المخابرات الأمريكية، وقدم هؤلاء الأشخاص الثلاثة الدعم لمنفذي هجمات سبتمبر، وغادروا بعد التفجيرات إلى لندن ثم إلى العاصمة الدوحة.

في 1992 انتقل خالد الشيخ محمد إلى قطر، بناء على اقتراح من وزير الشؤون الإسلامية السابق في قطر الشيخ عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني، الذي اتخذ من منصبه غطاء وستارا، وعين "خالد" في منصب كبير في قطر كمهندس مشروع في وزارة الكهرباء والماء القطرية، وأثناء تولي مهام عمله في قطر ضلع في تنفيذ عمليات إرهابية واسعة النطاق.