أثرياء بريطانيا يستعدون للهروب من حكم حزب “العمال” وليس من “البريكست”

يرى كثير من المتابعين للشأن السياسي والاقتصادي البريطاني أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، "بريكست" بدون اتفاق لا يمثل مشكلة على الأقل بالنسبة لأغنى أغنياء بريطانيا، وإنما مشكلتهم هي وصول زعيم حزب العمال اليساري جيرمي كوربين إلى الحكم، في أي انتخابات قريبة، في ظل حالة الغموض السياسي التي تحيط ببريطانيا، بسبب الخلاف حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.
على مدى أكثر من عام، يستعد بعض أغنى أغنياء بريطانيا لانفصال صعب عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يوضح أنهم يستطيعون تحويل الخروج الفوضوي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي لصالحهم. ولكن احتمالات فوز حزب العمال، بزعامة كوربين، في الانتخابات العامة المقبلة أصبحت أكثر ما يثير قلقهم.
ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن كريس كالين، رئيس مجلس إدارة مجموعة "هينلي أند بارتنرز جروب" للاستشارات الضريبية والموجودة في مدينة زيوريخ السويسرية، القول "من الواضح تماما أنه ستكون هناك موجة خروج كبيرة للأفراد والأسر الغنية من بريطانيا إذا وصل حزب العمال إلى السلطة.. هذا هو الهاجس الأكبر بالنسبة للأثرياء وليس الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو حتى الخروج بدون اتفاق.. فهذا لا يعني أي اختلاف بالنسبة لعملائنا".
وفي تقرير لها عن مخاوف الأثرياء من التغيير في السلطة في بريطانيا، رصدت وكالة بلومبرج مجموعة من النقاط الأساسية المثيرة لقلق الأثرياء البريطانيين وهي:
الضرائب
في بيانه السياسي عام 2017 أكد حزب العمال ضرورة زيادة ضرائب الدخل المستحقة على من يزيد دخله عن 80 ألف جنيه إسترليني (97248 دولارا( وكذلك إمكانية فرض ضريبة على الثروة.
ودعا تقرير أعدته لجنة شكلها حزب العمال، في وقت سابق من العام الحالي، إلى زيادة الضرائب على الوحدات السكنية الخالية، وزيادتها على الشقق الفارهة، وإصلاح ضريبة المواريث، وإضافة رسم جديد على العقارات المملوكة للأجانب، وهو ما يمكن أن يضر بعشرات الأثرياء، ومنهم أمانسيو أورتيجا مؤسس سلسلة متاجر "زارا".
الشفافية
ستواجه خصوصية البيانات المالية للمواطنين أوقاتا عصيبة في ظل حكومة عمالية يقودها كوربين. ففي تقرير عن الشفافية الضريبية منشور قبل عامين، دعا حزب العمال إلى نشر الإقرارات الضريبية الخاصة بالأفراد الذين يزيد دخلهم السنوي عن مليون جنيه إسترليني. كما أشار التقرير إلى إمكانية إنشاء سجل عام لملاك صناديق الاستثمار وكل المساهمين في الشركات، في حين يقتصر هذا الأمر حاليا على أصحاب الحصص الكبيرة فقط.
في الوقت نفسه فإن البيانات التي تسربت من شركات الخدمات القانونية الدولية، مثل تسريب بيانات شركة "موساك فونسيكا" المعروفة باسم فضيحة وثائق بنما، يمكن أن تعزز رغبة الحكومة العمالية القادمة في تحقيق المزيد من الشفافية في مجال المال والأعمال.
التأميم
تعهد حزب العمال بالتراجع عن خصخصة الصناعات الرئيسية التي نفذتها رئيسة وزراء بريطانيا المحافظة الراحلة مارجريت تاتشر، التي تولت حكم بريطانيا خلال الفترة من 1979 إلى 1990 ونفذت أكبر عملية خصخصة في تاريخ بريطانيا، رغم الاعتراضات العنيفة من جانب النقابات العمالية التي كانت قوية للغاية في ذلك الوقت. وقد تعهد كوربين بإعادة ملكية الدولة لقطاعات الطاقة والمياه والسكك الحديدية إلى جانب البريد الملكي البريطاني. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تكبد المستثمرين الذين يملكون أسهم هذه الشركات خسائر كبيرة، لأن الحكومة ستعوضهم عن هذه الأسهم وفقا للقيمة الدفترية للشركات وليس وفقا للقيمة السوقية لها.
ورغم أن حق امتياز شركة السكك الحديدية في بريطانيا "فيرجن ترينس"، المملوكة للمليارديرين ريتشارد برانسون وبريان وستر، ينتهي خلال الشهور الستة المقبلة، فإن الشركة أعلنت في وقت سابق من العام الحالي اعتزامها إطلاق خدمة قطارات جديدة بين ليفربول ولندن اعتبارا من 2021، كما تعتزم حكومة العمال المنتظرة مطالبة الشركات التي تضم أكثر من 250 عاملا بوضع 10 في المئة من أسهمها في "صناديق شمول الملكية" يسيطر عليها العمال.

كما يستهدف حزب العمال مستثمري القطاع العقاري من خلال تبني سياسة تطالبهم ببيع مشروعاتهم السكنية إلى السكان، بأسعار قد تقل عن أسعار السوق.
الحركة عبر الحدود
أثار ماكدونيل المخاوف منذ عامين عندما قال إته مستعد لمواجهة احتمالات التغير في سعر الجنيه الإسترليني إذا وصل إلى السلطة، وهو ما يفتح الباب أمام فرض قيود على حركة الأموال إذا تم انتخاب حزب العمال. ومنذ ذلك الوقت يحاول وزير خزانة الظل التاكيد على أن الحزب لن يقدم على مثل هذه الإجراءات، ولكن الأثرياء يستعدون بشكل متزايد لمغادرة بريطانيا، بحسب
جون إيلدر الشريك المؤسس لشركة إدارة الثروات "فاميلي أوفيس أدفايزورس".
ويقول "إيلدر" إنه يعرف عددا من الأسر الغنية البريطانية فتحت حسابات مصرفية جديدة في دول ترحب بالأثرياء من خلال توفير ضرائب منخفضة وإجراءات سريعة لمنحها الجنسية، مثل البرتغال وموناكو ومالطا. كما أن البعض بدأ يستعد لاستخدام الطائرات الخاصة في تحركاتهم إذا تركوا بريطانيا وانتقلوا للحياة في الخارج.
كانت قضية الخروج الجماعي المحتمل للأثرياء البريطانيين من البلاد قد ظهرت على السطح في العام الماضي، عندما قرر الملياردير جيم راتكليف، مؤسس شركة "أينوس" العالمية للكيماويات وأغنى شخص في بريطانيا، الانتقال للحياة في موناكو إلى جانب اثنين آخرين من مديري "أينوس".
في الوقت نفسه لم تعد الرغبة في جذب الأثرياء البريطانيين قاصرة على موناكو أو سويسرا، حيث أقرت إيطاليا منذ عامين نظاما للضرائب، يضمن ضريبة سنوية ثابتة لا تزيد عن 100 ألف يورو بهدف جذب الأثرياء الأجانب بشكل عام. ومن أشهر الشخصيات التي سعت للاستفادة من النظام الضريبي الجديد في إيطاليا نجم كرة القدم البرتغالي الشهير كريستيانو رونالدو، الذي انتقل إلى اللعب في فريق يوفينتوس الإيطالي بمدينة تورينو قادما من ريال مدريد الإسباني في العام الماضي.