بالمستندات.. أوروبا قدمت 5 ملايين يورو لتركيا لحماية حقوق الإنسان.. وأردوغان يبني بها أكبر سجن للصحفيين

في 2018 أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم 5 ملايين يورو لتعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان الأساسية في تركيا.

وأوضحت البيانات التي حصلت "الوئام" على نسخة منها أن قائمة الأموال المنفقة من منظمات ومؤسسات في الاتحاد الأوروبي تناهض القبض على الصحفيين والمدنيين في تركيا في الفترة التي تبعت محاولة الانقلاب المزعومة في تركيا تخطت الـ5 ملايين يورو دون تحديد تفاصيل الإنفاق، إلا أن ذلك كان بعلم النظام التركي وتحت توجيهه، والذي طالما نفى تهما تتعلق بالتعذيب أو القبض التعسفي للصحفيين والقضاة والمدنيين، بزعم علاقة المقبوض عليهم بحركة فتح الله جولن.

لكن نتيجة المبالغ المنفقة من الاتحاد الأوروبي جاءت مخيبة لآمال منظمات حقوق الإنسان العالمية، حيث أصبحت تركيا وفقا لقوائم رسمية أكبر سجن للصحفيين في العالم، وفقا لمركز ستوكهولم لحماية الحريات.

وذكرت تقارير تركية أن “تركيا أصبحت من أسوأ دول العالم من حيث التعامل مع الصحفيين، حيث صنفها الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم للعام الثاني على التوالي، إذ يمثل الصحفيون المعتقلون في تركيا، نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم”. كما نوه التقرير بأن شدة القمع الذي تمارسه الحكومة في حق وسائل الإعلام جعلت البعض يصفون ما يحدث بأنه “موت الصحافة”.

319 صحفيًّا معتقلاً

وأكد تقرير مركز “نسمات” للدراسات الاجتماعية والحضارية"، أن 319 صحفيًّا معتقلاً يقبعون في السجون منذ صبيحة محاولة الانقلاب الفاشلة حتى الآن، كما صدرت مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين في خارج البلاد، مشيراً إلى أن 839 صحفيًّا حُوكِم قضائيًّا خلال عام 2017 المنصرم على خلفية تقارير صحفية أصدروها أو شاركوا في إعدادها، طبقًا لما أوردته مؤسسة الصحفيين الأتراك.

ثم علق التقرير قائلاً: “هذه الأرقام تؤكد على خطورة وضع حرية الإعلام في تركيا، وعلى تدهور الحريات بوتيرة متسارعة وأسوأ مما يعتقد كثير من المحللين”، منبّهًا إلى أن هذه البيانات مرشحة للزيادة بسبب الحملات الأمنية المستمرة للقبض على الصحفيين.

اعتقال الصحفيين بتهمة الإرهاب 

وتطرق التقرير إلى التهم الموجهة للصحفيين المعتقلين بقوله: “يأتي الصحفيون المحتجزون في السجون من خلفيات ثقافية مختلفة، ولكن الصفة المشتركة بينهم جميعًا أنهم معارضون للحكومة، وقد تم اتهامهم بانتمائهم لمنظمة إرهابية أو أكثر”.

ثم كشف عن تناقض السلطة الحاكمة في توجيه اتهاماتها العشوائية للصحفيين حيث قال: “يوجد 44 صحفيًا متهمين بانتمائهم لحزب العمال الكردستاني أو لاتحاد كردستان، و11 صحفيًّا يساريًّا من جريدة “جمهوريت” اعتقلوا واتهموا بالعمل لصالح كل من حركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني!”.

إغلاق 189 وسيلة إعلامية ذات مرجعيات مختلفة

أما عن وسائل الإعلام التي أغلقت بعد محاولة الانقلاب فوصل مجموعها حتى الآن 189 وسيلة إعلامية مختلفة، منها: 5 وكالات أنباء، 62 جريدة، 19 مجلة، 14 راديو، 29 قناة تليفزيونية، 29 دارًا للنشر تابعة لحركة الخدمة،  هذا فضلاً عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والعلوية المستقلة، هذا بخلاف حجب 127.000 موقعًا إلكترونيًّا، 94.000 مدونة على شبكة الإنترنت منها موقع “ويكيبيديا” الموسوعي.

وضع الصحفيين خلف القضبان الحديدية

وتعرض التقرير أيضًا لما يواجه الصحفييون في مراكز الأمن أو السجون من إساءة وإهانة وتعذيب إذ قال: “تفرض السلطات قيودًا صارمة على اتصال السجناء مع محاميهم؛ وفي أحسن الأحوال، يُسمح للسجناء بلقاء محاميهم تحت المراقبة. ولا يُسمح لبعض السجناء باستلام الرسائل أو الكتب الآتية من الخارج. يُسمح فقط لأقرب الأقارب مرة في الأسبوع بزيارة السجناء، من خلال نوافذ زجاجية وعن طريق الهاتف. كما لا يسمح بتواصل السجناء مع سجناء آخرين ما عدا السجناء المحتجزين في الزنزانة ذاتها. هذا بالإضافة إلى الشكاوى من طول فترة الحبس الاحتياطي، والحبس الانفرادي، والتعذيب النفسي والجسدي، وعدم المراعاة الطبية لذوي الاحتياج من المرضى، وتكديس المحتجزين في عنابر لا تسعهم”.

وأفاد التقرير أن المعتقلين من الصحفيين في هذه السجون يتعرضون لأنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي كُشف عن بعض حالاته، وهناك حالات كثيرة لم يكشف عنها بعد، فمن هذه الحالات التي تم الكشف عنها “عائشة نور باريلداك”، وهي صحفية شابة قبض عليها في 11 أغسطس 2016 بتهمة انتمائها لجماعة إرهابية، ونسب إليها تهمة العمل في جريدة “زمان” -الجريدة التي كانت أكثر توزيعًا في تركيا قبل أن يتم إغلاقها من قبل الحكومة في يوليو 2016، كما اتهمت أيضًا بأنها تمتلك حسابًا في بنك “آسيا”، ويتابع حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” شخصية صحفية مجهولة تُدْعَى “فؤاد عوني”.

لقد تداولت وسائل الإعلام التركية حالة “عائشة نور باريلداك” لأنها أرسلت رسالة من السجن لجريدة “الجمهورية” تَشْتكي فيها من معاناتها داخل السجن؛ فقد تعرضت للضرب والتعذيب، بالإضافة لتعرضها للتحرش الجنسي، حيث قالت: “لقد تم التحقيق معي لمدة ثمانية أيام، وكان التحقيق مستمرًّا على مدار الساعة، المحققون كانوا سُكارى، أخاف أن أُنْسَى داخل الحبس”.

مطاردة الصحفيين في المنافي

وقال التقرير في قسم “الصحفيون المشردون في المنافي”: “خلال عام 2017 وصل عدد الصحفيين الذين يواجهون خطر القبض عليهم واحتجازهم إلى 142 صحفيًّا وإعلاميًّا، وبعضهم كان خارج البلاد بصورة طبيعية قبل 15 يوليو 2016، بينما اختبأ آخرون عند ذويهم، وقام البعض الآخر بالهرب من تركيا بطرق غير شرعية معرضين حياتهم للخطر في سبيل حريتهم. كما يوجد عدد غير قليل من هؤلاء الصحفيين ما زالوا مفقودين. وبالحديث مع بعض هؤلاء الصحفيين، وجد أنهم يواجهون معاناة من نوع آخر، ويعانون كثيرًا من الصعاب، فهم يخاطرون بسلامتهم الشخصية، كما أن الإعلام الموالي للدولة يستهدفهم، ويوجه لهم الاتهامات المختلفة فيتعرضون للتهديد، لا سيما من قبل المؤسسات الموالية للحكومة وللحزب الحاكم. أما الذين استطاعوا الهروب خارج تركيا من الصحفيين فيؤكدون أن الدولة التركية تجمع عنهم معلومات وتجهز بحقهم ملفات، وتحرض عليهم مجموعات من الموالين لها في الخارج”.