نيويورك تايمز: هكذا غدر أردوغان بالسوريين

أفاد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بأن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي رحب باللاجئين السوريين غدر بهم بعدما غير نهجه مؤخراً وأجبر الآلاف على العودة إلى بلدهم الذي لا يزال يشهد قصفاً وقتلاً وتهجيراً في بعض مناطقه.

ونشرت الصحيفة الأمريكية تحقيقا موسعا عن معاملة تركيا للاجئين السوريين وكيف نقل العديد منهم إلى الحدود مع سوريا في حافلات بيضاء ترافقها عربات للشرطة.

ويريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حلاً جذرياً وهو إعادة توطين اللاجئين في مجموعة من الأراضي السورية، تقع تحت سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد، وإذا لم يحدث ذلك، فإنه يهدد بإرسال طوفان من المهاجرين السوريين إلى أوروبا.

وحسب التحقيق الموسع، فإن أردوغان غير فكرته عن المنطقة العازلة على طول الحدود التركية مع سوريا، بحيث تصبح المنطقة ملجأ للسوريين الفارين من الحرب، بعدما كانت لإبعاد المقاتلين الأكراد عن الحدود التركية. وتغيرت معاملة السلطات في تركيا تجاه السوريين الموجودين على أراضيها، لا سيما بعد نزوح مئات الآلاف بسبب هجوم للنظام السوري وروسيا.

وقال أردوغان لقادة حزب العدالة والتنمية في أنقرة مؤخراً: "هدفنا هو توطين مليون شقيق وشقيقة على الأقل (ممن يقيمون) في بلدنا (تركيا) في هذه المنطقة الآمنة". وأضاف أردوغان: "إذا لزم الأمر، بدعم من أصدقائنا، يمكننا بناء مدن جديدة هناك وجعلها صالحة لإخواننا السوريين".

ولم توافق أي من القوى المشاركة في الحرب في سوريا كليا على الفكرة، ولكن أردوغان يطالب بالوصول الفوري إلى الأراضي أو يهدد باحتلالها، مهددا بأنه إذا لم تمض الأمور على هذا المنوال فإنه "سيفتح البوابات" أمام أعداد كبيرة من اللاجئين للتوجه إلى أوروبا كما فعلوا في عام 2015.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي منح تركيا حوالي 6.7 مليار دولار منذ عام 2015 للمساعدة في السيطرة على تدفق المهاجرين. لكن تركيا، التي منحت الملاذ إلى 3.6 مليون سوري، تقول إن مشكلة المهاجرين تتزايد باطراد. وقال أردوغان في نهاية الأسبوع: "إذا لم تكن هناك منطقة آمنة، فلن نتمكن من التغلب على هذه (المشكلة)".

الصحيفة الأميركية ذكرت أن السوريين وجهوا أنظارهم باتجاه أوروبا مرة أخرى. وأبلغ مسؤولو اللاجئين الأتراك والدوليون عن زيادة في المهاجرين واللاجئين، الذين يحاولون العبور بالقوارب إلى أوروبا من تركيا، وكثير منهم سوريون يغادرون إسطنبول منذ بدء حملات الشرطة. ووصل بالفعل أكثر من 500 لاجئ على متن قارب إلى جزيرة ليسبوس اليونانية قبل أسبوع.

واعتبرت "نيويورك تايمز" أنه "كان يتم الإشارة إلى أردوغان باعتباره بطلاً للاجئين السوريين، ولكن تأتي سياسته الأكثر صرامة تجاههم بعد أن عانى حزبه من هزيمة مذلة في انتخابات بلدية إسطنبول في يونيو، ونظراً لركود عميق، أدى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم إلى إثارة المشاعر المعادية للاجئي سوريا بين الأتراك".

وأشارت الصحيفة إلى الإجراءات الصارمة التي تتخذ ضد السوريين، الذين يعملون بشكل غير قانوني، أو بدون أوراق إقامة في تركيا، ويتم فرض غرامة على أصحاب العمل وإجبار المصانع وورش العمل على الإغلاق. وأصبحت وسائل الإعلام الموالية للحكومة أكثر انتقاداً للسوريين، ويرفع أصحاب العقارات إيجاراتهم، وتعج وسائل الإعلام الاجتماعية بالتعليقات المناهضة لسوريا.

لكن المسؤولين المحليين، الذين ينتمي غالبيتهم لحزب أردوغان، ينكرون أن الحكومة تقوم بترحيل اللاجئين، ولكنهم في الوقت نفسه يدعمون الحملة قائلين: إنه يجب على السوريين أن يمتثلوا للقانون، وفق "نيويورك تايمز".

وأوضحت الصحيفة أن آثاراً واضحة للتغيير ظهرت في أماكن مثل إسنيورت، وهي حي من أحياء الطبقة العاملة في إسطنبول، حيث قال فاتح يلماز، المتحدث باسم المقاطعة، إن البلدية توفر حافلات لحوالي 100 شخص كل أسبوع للعودة إلى سوريا. وقال إن المغادرة أسعدت المواطنين الأتراك، وحتى إذا شكا أصحاب المصانع من خسارتهم للعمال وأصحاب العقارات من فقد المستأجرين.

وحسب ما نقلت الصحيفة، فإنه "بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في تركيا، بعد التحول في السياسة والمواقف، فإنهم يشعرون بصدمة مؤلمة. يقول مهند غباش، وهو ناشط يعمل في منظمة غير حكومية في مدينة غازي عنتاب الجنوبية، بالقرب من الحدود السورية: (إنها كارثة للشعب السوري)".

وأضاف الناشط، الذي نقلت الصحيفة الأميركية أقواله، إنه تم إخطار العمال السوريين بالحصول على تصاريح عمل، ودفع رسوم الضمان الاجتماعي، لكن الكثيرين يقولون إنهم لا يستطيعون تحمل التكاليف الإضافية، وحتى إذا تمكنوا من ذلك، فإنهم يخشون فرض المزيد من القواعد التعجيزية، بما في ذلك ما تم فرضه من شروط بضرورة توظيف 5 مواطنين مقابل كل عامل سوري في أي شركة.

في غازي عنتاب أيضاً، قام ضباط الشرطة بحملات في شارع به متاجر بقالة ومعجنات سورية حيث أصدروا أوامر لأصحاب المتاجر بإزالة الحروف العربية من لافتات متاجرهم أو مواجهة غرامة، وذلك فرضاً لقانون محلي كان قد تم تجاهله لمدة 8 سنوات، كما ذكرت الصحيفة.

طمس اللغة العربية
امتثل السوريون، وفق الصحيفة الأميركية، وتمت إزالة اللافتات باللغة العربية، كما قاموا بتعليق الأعلام التركية تضامناً، لكن البعض قالوا إنهم غاضبون لأن ذلك سيحملهم تكلفة، فعلى سبيل المثال قام محمد الأزور، الذي تدير عائلته متجراً معروفاً للحلويات بحلب في سوريا، بتغطية بيوت شعرية للشاعر ابن الرومي كانت مدونة على الحائط داخل متجره. وقال الأزور "إن فرض غرامة واحدة من الشرطة التركية سوف تقضي علي. لقد جئت ومعي مالي، ولست عبئا على أحد، ولكن لا ينبغي الضغط هكذا على رقابنا، دعونا نعيش".

حسب "نيويورك تايمز" قام السوريون، الذين يشكلون الآن 20% من سكان غازي عنتاب، بتغيير أحوال المدينة واستثمروا رؤوس أموال، وجلبوا مهارات العمل والعمالة الرخيصة، التي وفد معظمها من حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، والتي كانت قبل الحرب مركزا تجاريا وثقافيا متطورا. وقاموا ببناء حي من مصانع النسيج في غازي عنتاب، حيث تتقاسم الشركات التركية والسورية المباني والعمال، كما أن هناك رواجا في مئات المقاهي والمطاعم ومحلات الحلويات التي تلبي احتياجات السوريين.

في تلك المدينة القديمة، قالت الصحيفة "قام البناؤون السوريون بترميم بعض الآثار المتهالكة، وأقام صناع نحاس سوريون مهرة من حلب أماكن لهم بجانب الحرفيين الأتراك، وأحسنوا صنع التصاميم المعقدة من أباريق نحاسية وأطباق في ورش صغيرة. وقال إبراهيم نهلاس، 55 عاماً، وهو حرفي ماهر من حلب يبيع بضائعه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إن لديه علاقات تجارية طويلة الأمد مع الحرفيين الأتراك. وقال (يجب أن تحترم الناس وتلقى الاحترام، فعندئذ لن تواجه أي مشكلة)".

ترحيل كل ساعة
أما نور موسيلي، وهو صانع للنسيج خسر مصنعاً بقيمة 12 مليون دولار في حلب بسبب الحرب، فقد قام بجلب عمال مدربين معه، بالإضافة إلى قاعدة عملاء في الشرق الأوسط، وبدأ نشاطه من جديد في غازي عنتاب، حيث يقوم بتصنيع الملابس الداخلية للرجال. وقال موسيلي الذي تعود أنشطته بفائدة خالصة لصالح الاقتصاد التركي للصحيفة الأميركية "كان لدينا بالفعل شركاؤنا الدوليون، ومن ثم فإننا يمكننا العمل من أي مكان".

أما أصحاب الأعمال السوريون الكبار، فيقولون وفق الصحيفة، إنه إذا اتبعت القواعد، فلا يزال بإمكانك العمل في تركيا حتى لو كانت هوامش الربح قد انخفضت. لكن الشركات والعمال الأصغر حجما عبروا عن قلقهم إزاء الأجواء المتغيرة والغرامات المعوقة التي فرضت بالفعل إغلاق المصانع. إذ قال أحمد عطالي، 24 عاماً، وهو ينتظر مع مجموعة لعبور الحدود إلى سوريا: "لقد طردتنا المصانع لأننا لا نملك تصاريح عمل". غادر إسطنبول، ولكن بعد شهر من البحث عن عمل في جنوب تركيا حيث تم تسجيله، غادر البلاد لأنه لم يجد فرصة عمل أخرى.

وفق الصحيفة، تصل شاحنات وحافلات اللاجئين السوريين كل ساعة تقريباً إلى المعبر الحدودي بالقرب من بلدة كيليس، المتاخمة لمنطقة تسيطر عليها تركيا في شمال غرب سوريا. وذكر السوريون، الذين يعيشون في مكان قريب، أن الشرطة تودع اللاجئين غير المسجلين مباشرة عبر الحدود.

ولا يمثل السوريون الذين يتم ترحيلهم سوى جزء بسيط من اللاجئين السوريين في تركيا. لكن عمليات الترحيل تبعث برسالة حادة من أردوغان، على ما تقول الصحيفة بأنه "يتخذ إجراءات لتقليل عدد اللاجئين، ويضغط على أوروبا والولايات المتحدة من أجل التوصل إلى حل جديد. ولكن تقول لانا والش المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة: (إن الظروف الحالية لا تفضي إلى العودة المنظمة للاجئين السوريين وإعادة توطينهم بأمان وكرامة)".