لكي لاتتراجع ذائقة القارئ

مالذي بات يشكل ذائقة المتلقي سوى مؤسسات تجارية كبرى تملك الكثير من المال وتعمل في مجال بيع الكتب!.

هذان هما التساؤل والإجابة الأهم الذين سيفضي إليهما الحديث عن ذائقة المتلقي على صعيد العمل الروائي وهما من ضمن تساؤلات وإجابات عديدة ربما تسهم في تقويم ما بدا إعوجاجه بيناً.

فرغم أحقيتها بتلك الهيمنة عطفاً على النظام الرأسمالي الذي يسود العالم إقتصادياً إلا أنه لايجب أن ترتهن الذائقة الأدبية برغبة تلك المؤسسات التجارية في مضاعفة أرباحها، وهي رغبة لايمكن كبح جماحها أو ترويضها، وبالتالي تشكيلها للذائقة سيجعلها هزيلة كأقدام مُهر وليد، لأن السعي وراء المال بطبيعة الحال لايمكن أن ينتج أدباً جيداً.

إن الذائقة الجمعية للقراء يجب أن تنبع من ثقافة المتلقي وأن تلتصق بمقدار الأثر الذي يحدثه العمل والقيمة التي يصنعها وأن تحقق رغبته في التنوع المعرفي والإغناء الأدبي لا عما يفرضه المال على القارئ ليحشو به عقله عنوة فيصبح كساعته البولوجية التي يصعب تغيير توقيتها بعد أن تعتاده إلا عقب مران مضنٍ.

هذا النمط الإستثنائي لتناغم العقل والإحساس وتشكيل دائرة الوعي من الأهمية بما كان بحيث يستحق أن يوليه القارئ الحصيف قدراً كبيراً من الإهتمام فيخرج من شرنقة المفروض إلى فضاء المعروض كأن يتحول إلى جامع تحف نادرة يجوب الأرض ويتجشم عناء السفر والبحث ليظفر بقطعة ما ماأن يراها حتى يبدو مرتبكاً كلقاء أول.

لأنه يعلم أنها أثمن من ألاف القطع الرائجة التي تعج بها المحال المرتصة على جانبي جادة بازار مدينة سياحية.
وهذا مايمثله النص المختلف في عيني القارئ أو الكتاب المتفرد القادر عن إدهاشه وإغنائه في آن واحد.

إغنائه الذي سيصعد بالذائقة النقدية إلى مستوى رفيع يمكنها من مزاولة السلطة على النتاج الأدبي بموضوعية وبالتالي تشكيل سلطة المتلقي وتماهيها مع سلطة النص وهذا ماسيمثل سلطة ثنائية ترتقي بالعمل الأدبي إلى الدرجات العلا من الإتقان وتسمق به إلى مكانة مثلى في حيز الإبداع وتنأى به عن التسطيح الذي طال فنوناً أدبية أخرى فهبط بذائقة متلقوها وسلبت سلطتهم حتى أوشكت أن تُخلع من جسد الأدب.

وربما كان في معارض الكتاب التي تقام هنا وهناك مايلبي حاجة القارئ الذي يآبى نمطاً معين من الكتب ليجد فيما توفره دور النشر التنوع الذي ينشد والتباين الذي يريد.

وربما كان في ذلك التهافت الذي نراه على معارض الكتاب مايشي بأن هناك إمتعاظاً فكرياً غير معلن من هيمنة المال على الذائقة الأدبية وهو الذي يسير شريحة من القراء ويدفع بهم نحو خلق خيارات أخرى يستطيعون من خلالها إعادة تشكيل ذائقة المتلقي بمايحفط للرواية مكانتها التي عُرفت بها.