ما الذي سيخرج سليماني من العراق؟

لعل من أعجب ماقد يرى المرء في عالم اليوم الذي لم يعد يخضع لسلطة المنطق، ولا إمرة العقل، هو مايجري في العراق هذا البلد العربي الذي يسبح فوق أبار النفط ويعيش تحت خط الفقر.

ويعايش شعبه هذه المفارقة العجيبة بمرارة وألم ويشهد تحوله إلى مايشبه أقنان أرضٍ للسيد الإقطاعي في طهران وأعوانه المتنفذين في بغداد.

في صورة مكرورة للنظام الإقطاعي الذي ظهر في أوروبا إبان العصور الوسطى وتحالف الكنيسة آنذاك مع الإقطاعيين، ومانتج عن ذلك من مآس وإنحطاط على كافة الصعد وهو مابدأ يراه أبناء الرافدين ماثلاً أمام أعينهم.
بل تجاوز الأمر ذلك إلى تدمير الإنسان العراقي لإبقاء هذا البلد المهم تحت طائلة الهيمنة الفارسية.

فالتطابق بين جشع الإقطاعيين والمؤسسة الدينية آنذاك وبين محاصصة السياسيين والمرجعيات الدينية برعاية إيرانية له ذات النتائج وماأفرزه في الحالة العراقية هو أفضع ماحل بالعراق وأسوء ماقد يحل بمجتمع بشري وليس إنتشار الجهل وتفشي الجوع والعوز وتراجع التنمية وتوقف النماء أكبر مساوئه بل أن ضرره إمتد إلى تدمير الإنسان وتقويض البناء الحضاري لهذا البلد وإستشراء الفساد داخل جسد المؤسسة الحاكمة الذي بلغت به المرتبة الثانية عشر حسب منظمة الشفافية الدولية.

ولعل شعور الإحباط الذي تولد لدى العراقيين نحو إصلاح العملية السياسية ومكافحة الفساد المالي والسياسي الذي إستشرى داخل أروقة الحكومة تنامى حين لم تلقى المطالبات الشعبية أي صدى من الجانب الحكومي إضافة إلى هيمنة الأحزاب الموالية لأيران على المشهد السياسي والعسكري والتي تُعرف نواياها وتمدد نفوذها داخل المجتمع العراقي.

والذي أنتج شرارة أوقدت الحس الوطني العروبي لدى المواطن العراقي الأصيل فكانت هبة أيلول الماجدة التي أحرقت جميع المطالب السياسية السابقة ليحل مكانها مساعٍ جادة نحو التغيير الجذري الذي يعده العراقيون الحل الأمثل لإستعادة عراقهم.

وكما أن تصفية وعزل ماتبقى من القيادات الوطنية هي القطرة التي أفاضت الكأس فإن التبعية لإيران والتي بدت جلية في تصريحات المسؤلين الإيرانيين قد بلغت بالسيل الزبا فلم يعد العراقيون يطيقون صبراً، بل لم يعد للصبر من مقام على أرض العراق.

وكما دفعت الإقطاعية في أوروبا إلى تحالف برجوازي عمالي هاهي تدفع بالعراقيين إلى تحالف قادة وطنيين مع فئات الشعب التي طحنتها رحى العوز والجوع في ثورة قد تكون نواة للعصر التنويري العراقي الجديد.

وفيما لو إستمرت هذه الهبة الماجدة فهي ستجبر سليماني وأعوانه على التقهقر والتراجع وستعيد العراق إلى وضع مشابه لما قبل ٩ نيسان مما سيمكنه بمساعدة أشقائه من إعادة بناء مؤسساته وإقتصاده للحاق بركب التقدم.

لذا فإبقاء جذوة هذا الغضب الشعبي مشتعلةً أمر مهم فوحده الغضب من سيخرج سليماني من العراق ويعيده إلى طهران خاسراً ذليلًا وهو أمر مناط بالمقام الأول بأحرار العراق وشرفائه وبنخب المجتمع العربي وسياسييه فالفرصة باتت مواتية الآن لإستعادة العراق، وربما لن تعود سانحة بعد اليوم على الأقل في المنظور القريب.