بالوثائق والأسماء.. كيف اخترق الإخوان وتركيا ألمانيا من خلال المراكز المتطرفة؟

في عام 1960 قام شخص يدعى سعيد رمضان بتأسيس فرع تنظيم الإخوان في ألمانيا، وتمكن وقتها، باعتباره صهرا لمؤسس الجماعة حسن البنا، السيطرة على المركز الإسلامي في ميونيخ. وبعد رحيله عن مصر هربا من الملاحقات الكومية في عهد الراحل الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 أقام في بادئ الأمر في جنيف، وعندما أراد الطلاب العرب في ميونيخ بناء مسجد جديد، تواصلوا معه في عام 1958. وانتقل سعيد رمضان إلى ميونيخ حيث شرع في وضع الأسس لظهور شبكة الإخوان في أوروبا، ومن هنا كانت بداية اختراق الجماعة لأوروبا بالكامل عن طريق المراكز المتطرفة، بحسب ما جاء في مقال تحليلي، أعده جاسم محمد الباحث الأكاديمي في مجال الإرهاب والمخابرات في بون، ونشره موقع European Eye on Radicalization.

وكتب جاسم محمد قائلا: "أمكن للمركز الإسلامي في ميونيخ ملء الفراغ الذي تركته مجموعات أخرى، وأخذ يركز على أنشطة الدعوة لجذب المسلمين، مع محاولة إقناع السلطات بأن نشاطه لا يتعارض مع ثقافة البلاد وقوانينها".

وتعتبر منظمة التجمع الإسلامي في ألمانيا ICG واحدة من أقدم وأكبر منظمات الإخوان هناك، باعتبارها تحشد حوالي 1300 عضو، يسعون إلى إقامة دولة إسلامية. وبرزت ICG بين الجماعات الأخرى المهمة التابعة لتنظيم الإخوان كعضو في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

وأدرك الألمان، خاصة منذ صعود تنظمي داعش، أن جهود الإخوان في إعادة تنظيم صعودهم يجعل منهم بديلا، لا يحمل تهديدا على العكس من تنظيمات المتطرفين مثل داعش والقاعدة. ولكن كانت المخابرات الألمانية، في الوقت نفسه، تدرك جيدا نوعية المشاكل التي كان الإخوان، في واقع الأمر، يصدرونها للمجتمع الألماني.

وفي حالة تنظيم ICG، على سبيل المثال، كان قادة الإخوان يلهجون بدعوة شفهية تخدم الاعتدال، بينما كانوا يدعمون سرا جهود تحويل ألمانيا إلى دولة إسلامية "على المدى المتوسط"، وفقا لما كتبه الصحافي الألماني، أكسل سبيلكر، في المجلة الألمانية واسعة الانتشار "The Focus".

وتشير وثيقة مسربة إلى أن الإخوان في ألمانيا حصلوا على مساعدات مالية من الحكومة التركية الحالية. وكانت هناك بعض الشكوك حول التقرير لأنه كان عبارة عن إجابة سرية قدمتها وزارة الداخلية الألمانية على سؤال طرحه الحزب اليساري، "دي لينكه"، الذي كان يمثل بقايا الستالينية لطغيان ألمانيا الشرقية، والحزب المذكور متعاطف بشدة مع الجماعات الإرهابية الستالينية من حزب العمال الكردستاني PKK، المناهض لتركيا.

ولكن كان لدى برلين قناعة بأن بعض المشكلات، على الأقل، تأتي من الخارج، وذلك أنه عندما توفي الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وهو عضو في جماعة الإخوان المسلمين، وكان سجينا للحكومة المصرية الحالية، دعا أكثر من 300 مسجد في جميع أنحاء ألمانيا إلى أداء صلاة الغائب على روح المتوفى، وتنتمي غالبية تلك المساجد إلى جماعة ICG.

وتعتقد ألمانيا أن تركيا تقوم بتمويل ICG من خلال الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية DITIB. وقام المكتب الاتحادي لحماية الدستور BfV بتوثيق الطرق الخلفية، التي يلجأ إليها الإسلاميون "من غير الداعين إلى العنف" داخل المجتمعات الإسلامية، على سبيل المثال، بممارسة سيطرة أكبر على المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا ZMD، الذي يتعاون بدوره مع الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية الذي يتخذ كولونيا مركزا له.

ويوجد في ألمانيا 900 مسجد، لخدمة حوالي 3 ملايين مسلم تركي، ويديرها الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، ويُعتقد أن حوالي 10٪ منها تشرف عليها عن كثب المخابرات التركية.

كما أن هناك مؤسسة أخرى مثيرة للاهتمام هي "مركز الحوار الثقافي"، الذي تأسس في برلين، عام 2004. ويبدو أنه يخضع لهيمنة المتعاطفين مع الإخوان.

وتهتم أنشطة المركز، في ظاهرها المعلن، بتدريس اللغة، أي كل من اللغتين الألمانية والعربية، فضلا عن تقديم الدروس الدينية.

وتتمثل إحدى طرق معالجة التطرف المتصاعد، الذي يهدد التماسك الاجتماعي في الإصرار على وجود الأئمة المدربين محليًا. وينطبق هذا بشكل خاص على المناطق الحساسة مثل الجيش، حيث تصر وزارة الدفاع الألمانية على أن الوعاظ الإسلاميين يجب عليهم إجادة اللغة الألمانية، وأن يكونوا متخرجين من دورات اللاهوت في الجامعات التي تعترف بها الدولة.

ووفقا لما نشرته "دويتشه فيله"، صعدت وكالة المخابرات الداخلية الألمانية مؤخرا من مراقبتها لأنشطة الإخوان بسبب هذا القلق المتزايد من أن الجماعات الإسلامية المسجلة بشكل قانوني وغير العنيفة باتت تشكل تهديدًا للديمقراطية في ألمانيا.

تهديد لنظام ديمقراطي حر
ويهدف المشروع السياسي- الديني للإخوان إلى إقامة نظام للشريعة الإسلامية يتعارض مع النظام الديمقراطي الحر في ألمانيا. ويقوم الإخوان بالدعوة لذلك من خلال الوسائل التعليمية المختلفة للأشخاص من جميع الفئات العمرية. إن رغبة الإخوان في تنفيذ أجندتهم الإسلامية من خلال السياسة وممارسة اللعبة طويلة المدى بما يعني أنهم يحتفظون بالمستوى المطلوب لعدم جذب انتباه مسؤولي الأمن القومي.

واختتم جاسم محمد مقاله: "لكن المجتمع الموازي الذي يحاول تنظيم الإخوان بناءه وخططه طويلة الأجل، تشكل تهديدًا يجب على السلطات الألمانية أن تتعامل معه بقدر أكبر من الجدية، وأن تتعرف على أنشطة تلك الجماعة، وتتحرك لتقييدها".