سد النهضة.. من يقف وراء إثيوبيا لتعطيش مصر والسودان؟

رغم المساعي المضنية من دولتي مصب نهر النيل "مصر والسودان"، إلا أن إثيوبيا تستمر في حالة التعنت وترفض عمليات التفاوض على حصص المياه بعد بناء سد النهضة.

وواصلت حكومة إثيوبيا تعنتها، واعتبرت وزارة المياه والري الإثيوبية أن الاقتراح المصري الأخير حول تنظيم ملء سد النهضة بما لا يضر حصتها المائية ودخول طرف رابع على خط المفاوضات الثلاثية الدائرة حول سد النهضة يُمثّل "عبورًا للخط الأحمر" الذي رسمته أديس أبابا، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية (إينا)، الأربعاء.

وقالت الوزارة الإثيوبية، خلال اجتماع نظّمه مكتب المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة لدعم سد النهضة، إن أديس أبابا رفضت الاقتراح، لأن "بناء السد مسألة بقاء وسيادة وطنية"، مُشيرة إلى أنه أصبح نقطة الخلاف الرئيسية بين البلدين.

ويختلف البلدان حول فترة ملء خزان السد -الذي أُنجز حتى الآن 68.3% من عمليات بنائه- إذ تطالب مصر باستمرار فترة الملء 7 سنوات مع الإبقاء على مستوى المياه في سد أسوان عند 165 مترًا فوق سطح الأرض، بينما تُصِر إثيوبيا على فترة 3 سنوات.

كانت مصر طالبت بتنفيذ المادة العاشرة من اتفاق "إعلان المبادئ" بمشاركة طرف دولي في مفاوضات سد النهضة، للتوسّط بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) وتقريب وجهات النظر، والمساعدة على التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث دون الإفتئات على مصالح أي منها.

يأتي ذلك بعد وصول المفاوضات إلى مرحلة من الجمود وإعلان مصر انتهاء الجولة الأخيرة التي عُقِدت في الخرطوم على مستوى وزراء المياه والري بالدول الثلاثة "إلى طريق مسدود"، وذلك بعد تعنّت الجانب الإثيوبي ورفضه جميع الأطروحات التي تراعي مصالح مصر المائية وتتجنب إحداث ضرر جسيم لمصر. فيما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن "الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل".

وقالت وزارة المياه والري في بيان، إن "إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات مُقترحًا جديدًا يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، حيث خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من سد النهضة، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل".

كما رفضت إثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل السد، وأصرّت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق اعلان المبادئ الموقّع في 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليًا للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة، وفق البيان.

في المقابل، نفت الحكومة الإثيوبية وصول المفاوضات مع مصر إلى طريق مسدود بسبب تعنتها، مؤكدة استعدادها لحل أي خلافات ومشاغل معلقة عن طريق التشاور بين الدول الثلاثة.

وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في سلسلة تغريدات على الصفحة الرسمية لمكتبه عبر تويتر، أن حكومته تعزز جهودها لإنجاح الحوار الثلاثي، كما تتوقع التزاما مُماثلًا من بلدي المصب مصر والسودان، مشيدا بوزراء شؤون المياه في إثيوبيا والسودان ومصر في جهودهم لمواصلة الحوار الثلاثي حول ملء وتشغيل السد.

وأضاف أن "إثيوبيا تكرر أن حقوق جميع دول حوض النيل البالغ عددها 11 في استخدام مياه النيل وفقا لمبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب في أي ضرر جسيم، مما يؤكد حق إثيوبيا في تطوير مواردها المائية لتلبية احتياجات شعبها، واستعدادها لحل أي خلافات، وكذلك المخاوف العالقة من خلال التشاور بين الدول الثلاث".

تسعى إثيوبيا إلى تخزين 74 مليار متر مكعب من مياه النيل خلف السد، بما قد يؤثر على حصة مصر المائية التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وسط توقعات بأن تختبر نقصًا في حصتها من مياه النيل بنسبة 25% بسبب السد عام 2025، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضروري لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول بما في ذلك دولتا المصب، مصر والسودان.

وفي أغسطس الماضي، تقدّمت وزارة الموارد المائية والري بمقترح إلى المسؤولين في إثيوبيا لإدارة وتشغيل سد النهضة وفقًا للمتغيرات والظروف الخاصة بالفيضان والجفاف.

وتضمّن المُقترح 6 بنود أهمها، "إخطار مصر بحجم الملء والتخزين خلال سنوات الجفاف، ومواعيد صرف التفريغ والكمية المحددة، حتى لا تتأثر السدود الخلفية لسد النهضة في السودان أو السد العالي". لكن إثيوبيا رفضت الاقتراح ووصفته بأنه "ضد سيادة إثيوبيا".

وشدّد الرئيس عبدالفتاح السيسي، في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن استمرار التعثر في المفاوضات له انعكاسات سلبية على استقرار المنطقة عامة ومصر خاصة، مؤكدًا أن مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة وقضية وجود، بما يضع على المجتمع الدولي مسؤولية للتوسط لحلول مرنة تضمن حقوق كل دولة.

وأُرجئ موعد إتمام السد 3 مرات منذ وُضِع حجر الأساس له في إبريل 2011،، حيث كان مُخططًا إتمام بنائه في غضون 5 سنوات ليُصبح جاهزًا في 2016، ثم أُرجئ موعد إنجازه إلى نهاية 2018، حتى مدّدت إثيوبيا الموعد الزمني المُحتمل لإكماله لـ4 سنوات إضافية ليخرج إلى النور في 2022.

إسرائيل وقطر وتركيا

الموقف الأثيوبي بالتعنت تجاه المفاوضات وتغير موقفها الآن عن بداية الشروع في بناء السد، وأصبحت لغتها أكثر حدة وردها يميل إلى التصعيد طرحت تساؤلا من يقف خلف إثيوبيا أو بالأحرى لمصلحة من تعطيش مصر والسودان لحساب إثيوبيا؟.

منذ بداية اندلاع أزمة سد النهضة برز اسم إسرائيل بقوة كطرف في الصراع رغم أن مياه النيل بعيدة عنها، وأفادت تقارير عربية بأن تل أبيب حرّضت إثيوبيا على بناء هذا السّد، وقدّمت لها القروض والخبرات الهندسيّة في هذا الصّدد من أجل تهديد أمن مِصر، وتقليص حِصصها المشروعة من المياه، ولم تستبعد التقارير استمرار إسرائيل في دعم الموقف الإثيوبي من خلال حث الطّرف الأمريكي على تبني هذا الموقف، خاصّة أن إثيوبيا كافأتها، أيّ إسرائيل، بالاعتراف بها وتوثيق علاقاتها بدول إفريقية أُخرى، واستضافة بنيامين نِتنياهو رئيس وزرائها في أديس أبابا، ومُخاطبة اجتماع لمُنظّمة الوحدة الإفريقيّة.

عداء بعض الدول لحكومة مصر الحالية، على رأسها قطر وتركيا، دفعِها لتبنّي الموقف الإثيوبي، واستثمار المليارات في بناء سد النّهضة، من مُنطلق النّكاية، فأشارت تقارير عن استثمارات تركيا في إثيوبيا ظهرت مع بداية بناء السد.

ومع اشتعال أزمة سد النهضة وفي خضم المفاوضات الجارية عام 2017، أجرى الأمير القطري تميم بن حمد زيارة مفاجئة إلى إثيوبيا، استغرقت يومين، تعد الأولى من نوعها منذ تسلمه السلطة فى بلاده عام 2013، وكان فى استقباله هايلى ماريام ديسالين رئيس مجلس الوزراء الإثيوبى وعدد من وزراء الحكومة الإثيوبية، ورافق أمير الدوحة وفد رسمى من وزراء الحكومة القطرية من بينهم وزير الخارجية ووزير المواصلات وآخرين.

الزيارة القطرية أشارت بما لا يدع مجالا للشك محاولات قصر الدوحة التقرب من الجانب الإثيوبي وبداية الدعم القوي للحكومة نكاية في مصر وموقفها من سياسة قطر الداعمة للإرهاب.