غاية الحياة وكُنه السعادة

يعتقد الكثير من الناس أن تحقيق السعادة مرتبط بالحصول على المكانة الاجتماعية المرموقة أو المال أو المنصب، فتجدهم يسعون ليلاً ونهاراً من أجل تحقيق تلك الأهداف، ولا يهدأ لهم بالٌ حتى تتحقق لهم سواءً بطرق مشروعة أو غير مشروعة، في حين أن من سبقوهم من القادة، ورجال الأعمال الأثرياء، والوجهاء، توصلوا لحقيقة واحدة غيرت من نظرتهم للحياة كلياً، لقد أدركوا أن السعادة الحقيقية تكمن في العيش برضاً وقناعة وصفاء.

السعادة إذاً ليست مرتبطة بجمع الأموال وإنفاقها ببذخ، وليست بمنصب وظيفي سرعان ما ينتهي أثره بمجرد مغادرة المكان وربما يكون وبالاً على صاحبه إن لم يصاحب ذلك المنصب حسنٌ في التصرف وفكرٌ يستطيع أن يقود به الجماعات لتحقيق مصالحها، وليست شهرةً يكتسبها الإنسان في ظروف معينة ولأسباب معينة ثم يسيء التعامل معها وتسبب له الأذى.

السعادة الحقيقية ربما لا يدركها إلا اثنان: الأول خبيرٌ عاصر الحياة بمختلف لحظاتها وتقاطعاتها، فصبر وأصر واستمر حتى وصل إلى مبتغاه ثم أدرك لاحقاً أن الشعور الحقيقي بالسعادة مختلف تماماً عما كان يعتقده؛ فراحة البال والطمأنينة لن تكونا متلازمتين مع هموم الدنيا واهتمامات البشر، والثاني حكيمٌ أوتي القناعة والرضا والفكر النير فأدرك غاية الحياة وكنه السعادة وأختار راحة البال وهدوء النفس على الانشغال بالدنيا الزائلة.

يقول الحكيم سنائي عن السعادة: "إني أنهض كل صباح وأقصد النهر جالساً عند حافته، وأدع الشمس تطهر جسدي وأترك نظري يسرح في البعيد متمتعاً برؤية الأشجار والزهور، صاغياً إلى صوت تغريد العصافير وصوت المياه وهي تنساب بين السواقي، لا أحلم إلا بالسعادة النابعة من ذاتي، ما حلمت يوماً بالتغلب على أحد أو إخضاع أحد".

وحتى تتأكد من صحة ما أدعيه عليك أن تسأل نفسك الآن: لماذا يعمد الكثير من الأثرياء بعد التمتع بأموالهم والوصول إلى مبالغ فلكية من الاستثمارات والأموال إلى التبرع بحصص كبيرة منها وهم الذين كانوا مولعين بجمعها لا ينامون إن نقصت ولا يرتاحون حتى تتضاعف، لماذا يتمنى الوجهاء والمسؤولين التواصل مع الناس بلا أجندة ولا ترتيباب مسبقة كما كانوا عليه قبل تبوؤهم المناصب وشهرتهم، ما الذي يجعلهم يتنازلون عن كل تلك الهيبة والعظمة التي كانوا عليها ويعودون بسطاء كما هم الناس العاديون، ما الذي يجعل المشاهير يتمنون السير في الشوارع بلا مضايقات، وما الذي يدعوهم للتخفي عن أعين الناس أثناء شهرتهم في حين أنهم يملكون الكثير من المزايا، لكن تلك المزايا لن تعوضهم عما فقدوه من الطمأنينة وراحة البال.

يقول الكاتب مهدي الموسوي في كتابه الرقص مع الحياة: "إن الطريقة العلمية لممارسة حياة يومية طيبة، هي أن نبدأ في صباح كل يوم جديد بتغذية بذور الرحمة والشفقة في قلوبنا كعمل مقدس، وأن نتعهد بإزالة الغبار من قلوبنا وترويضها لتبقى على براءتها في حالة من الطهر والصفاء".

ختاماً لن يشعر بالسعادة من كان في قلبه ذرةٌ من كبر، أو حسد، أو غل، أو معصية، ولن يشعر بها من كان يلهث خلف المادة، أو المنصب، أو الشهرة، فهناك تعارض واضح بين تلك المفاهيم وبين مفهوم السعادة الحقيقة التي تعتمد على الإيجابية، والعطاء، والقناعة، والرضا، وحب الخير للناس.