“فلكية جدة”: عبور نادر لـ”عطارد” أمام الشمس الإثنين المقبل

قال رئيس الجمعية الفلكية بجدة المهندس ماجد أبو زاهرة، أن سماء السعودية والمنطقة العربية تشهد يوم الإثنين 11 نوفمبر 2019 عبور نادر لكوكب عطارد أمام قرص الشمس في ظاهرة غير مشاهدة بالعين المجردة وسوف تستمر 5 ساعات و28 دقيقة و47 ثانية على مستوى العالم.

وأضاف: سيكون هذا الحدث مرصودا أيضا ًفي أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى وأجزاء من أمريكا الشمالية والمكسيك وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، وستكون أفضل المواقع لرؤية كافة مراحل العبور في شرق الولايات المتحدة وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية في حين أننا في السعودية ومساحة واسعة من الوطن العربي سوف ترصد المراحل الأولى للعبور قبل غروب الشمس باستثناء غرب افريقيا.

سيبدأ عبور عطارد في كافة مناطق السعودية في نفس التوقيت بمرحلة التماس الأول عند الساعة 3:35 عصرا (12:35 ظهرا بتوقيت غرينتش) مع ملاحظة وجود فارق بضع ثوان بين منطقة وأخرى، ففي ذلك الوقت يبدو وكأن قرص عطارد متصل مع قرص الشمس من خلال ما يشبه مجرى صغير وهو ما يسمى “تأثير الدمعة السوداء” وهو نوع من الخداع البصري وليس حقيقيا، وهذه الظاهرة تجعل من الصعب قياس وقت التماس بشكل دقيق.

وبعد ذلك يختفي “تأثير الدمعة السوداء” عند الساعة 3:36 عصرا (12:36 ظهرا بتوقيت غرينتش) ويصبح عطارد بالكامل امام قرص الشمس، وهذه علامة للحظة التماس الثاني، وتسمى مرحلتي التماس الأول والثاني مرحلة ” الدخول “.

وخلال الساعات التالية يرصد عطارد يتحرك ببطء أمام قرص الشمس، ويصل العبور ذروته العظمى عند الساعة 6:19 مساء (3:19 مساء بتوقيت غرينتش) عندما يكون الكوكب في أقرب نقطة من مركز الشمس هذه المرحلة لن تكون مرصودة في السعودية نظرا لغروب الشمس قبل حدوثها ، وعليه فإن بقية مراحل العبور لن تكون مشاهده محلياً.

ولكن على مستوى الكرة الأرضية ستسمر الظاهرة إلى أن يحدث التماس الثالث عند الساعة 9:02 مساء (6:02 مساء بتوقيت غرينتش) حيث تلامس حافة قرص عطارد ظاهريا الحافة الداخلية لقرص الشمس ويتكرر من جديد ظاهرة "تأثير الدمعة السوداء".

وبعد ذلك ينتهي العبور بالتماس الرابع عند الساعة 9:04 مساء (6:04 مساء بتوقيت غرينتش) عندما يكون قرص عطارد يلامس ظاهريا الحافة الخارجية لقرص الشمس، ويسمى التماس الثالث والرابع مرحلة “الخروج”.

يمكن رصد ظاهرة عبور عطارد من خلال التلسكوبات بقوة تكبير 100 أو أكبر مزودة بفلتر خاص بالشمس أو إسقاط صورة الشمس على ورقة بيضاء، وبالنسبة لنظارات الكسوف (ليس النظارات الشمسية العادية) فهي مفيدة لحماية العين بشكل تام من أشعة الشمس ولكنها لن تكون مفيدة لرؤية عطارد نظرا لأن الكوكب حجمه الظاهري صغير جداً ، ويجب عدم إبقاء أجهزة الرصد لفترة طويلة في مواجهة الشمس بدون حماية مناسبة حتى لا تتعرض للتلف.

ظاهرة العبور تحدث لكوكبي عطارد والزهرة فقط كلما عبرا أمام الشمس كما يشاهد من منظورنا على الأرض، ولو كان مدار عطارد على نفس مستوى مدار الأرض لكان سيحدث من 3 إلى 4 عبورات في كل سنة ، إلا أن مستوى مدار عطارد يميل بمقدار 7 درجات بالنسبة لمستوى مدار الأرض حول الشمس، وهذا يعني أنه عندما يتحرك عطارد بين الشمس والأرض في الاقتران الداخلي كل أربعة أشهر تقريبا يعبر عطارد شمال أو جنوب قرص الشمس بالنسبة لنا على الأرض، لذلك فإن ظاهرة عبور عطارد نادرة فهي تحدث فقط 13 او 14 مرة كل 100 سنة.

يدور عطارد حول الشمس في مداره الصغير مرة كل 88 يوما أرضياً، وخلال هذه المدة يتحرك شمال مستوى مدار الأرض لحوالي نصف مداره، وإلى جنوب مدار الأرض خلال النصف الآخر.

ومرتين يقوم عطارد بقطع مستوى مدار الأرض عند نقاط تسمى “العقدتان”، فعندما يتحرك عطارد من الشمال إلى الجنوب في مداره تسمى “العقدة الهابطة” وعندما يتحرك عطارد من الجنوب إلى الشمال تسمى العقدة الصاعدة.

وكلما عبر عطارد عقدة قريبة من الاقتران الداخلي يحدث بشكل مؤكد عبور مرصود من الأرض، وفي العبور السابق في 9 مايو 2016 قطع عطارد "العقدة الهابطة" منطلقاً من الشمال إلى الجنوب في نفس الوقت الذي عبر فيه بين الأرض والشمس عند الاقتران الداخلي.

وبشكل عام عبور كوكب عطارد في "العقدة الهابطة" يحدث فقط خلال النصف الأول من مايو، وعبورات "العقدة الصاعدة" تحدث في النصف الأول من نوفمبر، وفي الأوقات الأخرى من العام عندما يكون في عطارد الاقتران الداخلي سوف يتحرك اما شمال أو جنوب قرص الشمس.

وكان أول عبور لعطارد في القرن الحادي والعشرين حدث في 7 مايو 2003 ثم في 8 نوفمبر 2006 وتبعة في 9 مايو 2016 وسوف يتكرر من جديد بعد هذا العام 2019 في 13 نوفمبر 2032 .

علما بأن عبور عطارد في 9 مايو 2016 كان الأطول خلال القرن الحالي بعد عبور مايو 1970، حيث استغرقت كافة مراحلة سبع ساعات.

من ناحية أخرى استخدمت ظاهرة العبور قديما في تحديد المسافة بين الأرض والشمس ولكن في وقتنا الحاضر ومع تطور التقني أصبح يستخدم الرادار في تحديد المسافة بين الأرض والشمس بشكل أكثر دقة مقارنة باستخدام أرصاد العبور.

ولكن عبور عطارد يبقى مهما لأنه يقدم فرصة لإجراء قياسات لفهم أفضل حول “الأكسوسفير” وهو عبارة عن غلاف جوي رقيق جداً من الغازات يحيط بعطارد، وذلك بهدف معرفة مكوناته وكثافة غازاته وهذا ممكن أثناء ظاهرة العبور.

فالصويوم في “الأكسوسفير” يمتص ويعيد إصدار اللون الأصفر البرتقالي من ضوء الشمس وبقياس ذلك الامتصاص يمكن معرفة المزيد حول كثافة الغاز هناك.

ويجب التحذير من عدم التحديق الى الشمس بالعين المجردة خلال حدث العبور أو باستخدام المنظار أو التلسكوب بدون وجود فلتر مخصص للشمس ويجب عدم إستخدام وسائل غير آمنة مثل أوراق الأشعة الطبية أو الزجاج المدخن أو النظارة الشمسية العادية لأنها لا تمنع الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس من الوصول إلى العين بالإضافة إلى أن هذه الطرق ليست مفيدة أصلا في رصد ظاهرة العبور لأن حجم عطارد صغير جدا ويحتاج لتلسكوبات بقوة تكبير مناسبة.