لا تصدقوا كل شكّاء

أعتقد أنه بات من الواجب علينا كمهتمين في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات واكتشاف القدرات والإمكانيات لدى الأشخاص المحبطين أن نجدد من أساليبنا معهم إن لم نغيرها بالكامل، فليس من المناسب أن نتحدث بلغة التفاؤل والإيجابية مع شخص محبط حد النخاع، أو شخص يخفي الحقيقة ويتعمد التزييف، أجزم أن تلك المحاولات أشبه بعملية الضغط على صدر إنسان متوفى رغبةً في عودة الحياة إليه.

لقد حدث ذلك معي مراراً وتكراراً وأيقنت بعدها أن محاولاتي فشلت ليس لعدم جدواها ولكن لعدم اختيار الأسلوب المناسب في التعامل مع تلك الفئات.

وفي كثير من الأحيان تصل تلك المحاولات إلى مرحلة الاختلاف الناتج عن سوء الفهم لحالة الطرف الآخر أو عدم مصداقيته فيما يدعيه، إنه من الصعب علينا تغيير نمط التفكير لأشخاص بلغوا من العمر عتياً واستمروا على وتيرة واحدة وقناعة واحدة لسنوات طويلة، ومهما زادت المحاولات فلن ينتج عن ذلك إلا زيادةً في تمسكهم بآرائهم السلبية وقناعاتهم التي يصرون عليها ولا يودون تغييرها.

وقد يضطر الكثير من الناس بعد مرور سنوات من العيش بطريقة خاطئة أو انتهاج أساليب معينة في الحياة إلى التفكير ملياً في الجدوى من تلك السنوات المنقضية؛ ثم يبدؤون في تصحيح طرق تفكيرهم ويقومون بتعديل أساليبهم والتنازل عن بعض القناعات التي كانوا متمسكين بها سابقاً، وقد يحدث أن يتعرض البعض منهم لصدمة مفاجئة تجعله يعيد النظر في الجدوى من حياته بتلك الطريقة أو اختياره لنمط معين من التفكير والعيش.

ولا أخفيكم أنني قد صدمت ببعض أولئك المتشائمين عندما علمت بطرق حياتهم السلبية؛ في حين أن البعض منهم لديه من العديد من مقومات النجاح لكنه تعود على الفشل وآمن به، وهناك من أجزم بأنه لا يود قول الحقيقة ويعشق ارتداء جلباب المسكين خوفاً من أعين الناس أو لأنه أوجد لنفسه ذلك الإطار وصار حبيساً له.

لقد تحدثت في فترات ماضية مع أشخاص يعانون من سوء الظروف المالية والاجتماعية واكتشفت لاحقاً أن أحدهم يبحث عن منزل بقيمة تقارب المليون ريال، والآخر حاولت مساعدته في الحصول على وظيفة وعلمت بعدها أنه يمتلك محلاً تجارياً خاصاً ويدفع مائة ألف ريال كإيجار سنوي لصاحب العقار، والأغرب من ذلك عندما تجد من يعمل في وظيفة ممتازة وبراتب ممتاز ويمتلك فوق ذلك علاقات ممتازة ثم يشكو من قلة الحيلة وسوء إدارة المال.

لا أخفيكم أنني ذهلت من كل تلك المعلومات التي حصلت عليها ممن كنت أظن أنهم في وضع سيء، لأنهم يبدون الحاجة ويخفون الحقيقة، وينظرون لما في أيدي الناس ولا يقدرون ما لديهم من نعم، ويرون أنهم مظلومين أو مسلوبي الإرادة بينما هم قادرين على صنع الكثير من الفرص واستغلال الكثير من الإمكانيات الموجودة لديهم.

نعم علينا أن نختار الأساليب المناسبة في التعامل مع أولئك الأشخاص وأن لا نيأس من المحاولة لأن الهدف الذي نسعى إليه هدف سام ويستحق العناء، فوحدها التجارب والأيام كفيلة بكشف الحقائق وتعليم الناس وما دورنا في ذلك إلا كمن يبني جداراً طوبةً طوبة، فالطوب هنا عبارة عن النصائح والخبرات التي ننقلها للآخرين، والجدار هو الهدف الذي نود الوصول إليه فعلينا أن نحسن اختيار الطوب وأن نتقن بناء الجدار.