قيمة الخطى المبعثرة

عندما شاهدت لأول مره لس براون وهو يتحدث عن الصعوبات التي واجهها في حياته، يتحدث بنبرة تحمل معها الكثير من الألم والحزن على ماضيه المؤلم، كان ذلك مؤثراً ومعبراً لدرجة أنني قمت بإعادة المقطع مرات عديدة، يقول لس براون وهو المحاضر المتخصص في مجال التحفيز وإكتشاف القدرات أن الحياة كانت صعبةً وقاسيةً عليه عندما كان مستقراً في عمله منذ 17 عاماً.

وبعدها تم الاستغناء عنه وهو في عمر 49 عاماً وإعطي راتب أسبوع واحد فقط، كانت الحياة قاسيةً عليه عندما وضع كل جهده وماله في مشروع واحد، ثم فشل وخسر ماله وأموال الناس التي اقترضها، كان الأمر مخزياً ومذلاً عندما لم يتمكن من إعادة الأموال إلى أصحابها.

ثم يضيف لس براون أن المشاكل كانت تحيط به من كل مكان ولا يعلم لماذا يحدث ذلك معه، ولكنه عندما تجاوز تلك المشاكل ثم نظر إليها بتجرد؛ استطاع أن يفهم الواقع بشكل أوضح، ويكتشف الحكمة من كل تلك الدروس التي قابلها في الحياة، لقد أدرك لس براون أن كل تلك المشاكل والصعوبات التي حدثت معه؛ كانت تهيئه لأمور أعظم وأفضل مما كان عليه.

لقد مر الكثير منا بتجارب مماثلة، وكنا حينها لا نعلم لماذا يحدث ذلك، كنا نعتقد أننا من أصحاب الحظوظ السيئة والإمكانيات المتواضعة، ثم أدركنا مع مرور الزمن عكس ذلك، عندما نصل إلى أهدافنا بعد العديد من المحاولات نشعر بلذة الانتصار وقيمة الإنجاز، عندما نصل إلى أهدافنا بعد مدة طويلة ندرك أن شخصياتنا لم تكن ناضجة بالقدر الذي كنا نحتاجه عندما كنا نحاول تحقيق الأهداف، عندما نصر على تحقيق أهدافنا في وقت مبكر ولا يحصل لنا ذلك ثم نحزن، ندرك بعدها أنه من الممكن وبنسبة كبيرة أن نتعامل مع الواقع بصورة خاطئة لقلة خبرتنا وصغر أعمارنا.

ربما أن من بينكم من سعى لتحقيق الثراء في وقت مبكر، أو حاول الحصول على منصب وظيفي وهو في سنوات عمله الأولى، ولم يحصل له ذلك، ثم أدرك لاحقاً أن عدم تحقق تلك الأحلام كان من صالحه، لأنها لو تحققت في وقت مبكر؛ فربما يسيء التعامل معها والتصرف وفق ما تتطلبه، لذلك علينا أن نستفيد من كل تعثر في حياتنا، وكل خطوة لا يكتب لها السير في الطريق الصحيح، فتلك الخطى المبعثرة وذلك التعثر المتكرر في حياتنا، هي رصيد ثمين لا ندرك قيمته إلا في سنوات متقدمة من أعمارنا.

وبدلاً من أن تندب الحظ وتعلن الاستسلام، عليك أن تحمد الله الذي أنعم عليك بهذه النعمة العظيمة، نعم إنها نعمة عظيمة أن تتعلم من أخطائك مجاناً، إنها نعمة عظيمة عندما يأتيك التنبيه بضرورة مضاعفة الجهد ومواصلة العمل، إنها نعمة عظيمة عندما تفشل فتتذكر الأقل منك والأضعف منك فتعرف مكانتك وقدراتك، إنها نعمة عظيمة عندما لا تحصل على كل ما تريد من أول محاولة؛ حتى لا ترتفع أقدامك عن الأرض ويتسلل الغرور إلى نفسك، إنها نعمة عظيمة عندما تنقل كل تجاربك وخبراتك للناس، فتصبح فاعلاً مؤثراً خبيراً بفضل كل تلك التجارب الفاشلة والخطى المبعثرة.