هل ستمنح عملية اصطياد قاسم سليماني “ترامب” فترة رئاسية ثانية؟

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيخرج من عملية اصطياد قائد مليشيا فيلق القدس التابعة للحرس الثوري قاسم سليماني بلقب الفائز الأكبر.

غير حماية مصالح واشنطن في المنطقة وإيقاف امتداد إرهاب أذرع إيران الذي بات خطرا على الملاحة الدولية، جاء صيد سليماني الثمين في وقت يواجه فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحركات قانونية أمريكية لعزله من منصبه.

وفي أواخر ديسمبر من العام 2019، صوت مجلس النواب الأمريكي لصالح عزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في ملفين يتمثلان بإساءة استخدام النفوذ وإعاقة عمل الكونجرس.

وفيما يتعلق بملف إساءة استخدام النفوذ، فمرر بموافقة 230 عضوا مقابل رفض 197 عضوا، في حين مرر "إعاقة عمل الكونغرس" بموافقة 229 عضوا مقابل رفض 198، لتكون هذه هي المرة الثالثة التي يُعزل فيها مجلس النواب رئيسا بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

الخطوة المقبلة تتمثل بعرض تصويت مجلس النواب على مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

ويرى محللون سياسيون أن خطوة ترامب التي كانت بمثابة المرة الأولى التي تتعدى فيها واشنطن الخطوط الحمراء المرسومة منذ عقود مع طهران بتصعيد وصل إلى حد قتل الرجل الثاني في القوة العسكرية الإيرانية، جاءت في وقت يستبق الانتخابات الرئاسية، ويواجه فيه ترامب انتقادات شديدة وملاحقة برلمانية قد تفضي إلى عزله، إضافة إلى النكسات المتتالية لإدارته في الملفات الخارجية سواء في موضوع الصين أو روسيا أو شبه جزيرة القرم وقضايا الشرق الأوسط، فربما كانت هذه العملية لجرف الرأي العام الأمريكي إلى مواضيع أخرى، وهذا نهج سبقه إليه رؤساء أمريكيون آخرون.

المرشحون لرئاسة أمريكا يعيدون حساباتهم

وبينما ينشغل المرشحون الديمقراطيون الطامحون للرئاسة الأمريكية بقضايا داخلية مثل الهجرة والرعاية الصحية، انقلبت خططهم رأسا على عقب بعد مقتل قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الإيراني.

ويتصارع الآن المرشحون الديمقراطيون الأربعة عشر حول كيف سيغير قرار الرئيس الأميركى دونالد ترامب بشن الضربة العسكرية، التى استهدفت أكبر جنرال تابع للزعيم الأعلى لإيران على خامنئي، من اتجاه حملاتهم الانتخابية.

ووفقا للرد الإيرانى وحسب تناول ترامب للأزمة، فمن الممكن لعملية مقتل سليمانى إما أن تعيد صياغة القضايا المطروحة فى الانتخابات التمهيدية والعامة فيما يخص السياسة الخارجية، أو أن تضع المرشحين الديمقراطيين فى موقف الدفاع فى وقت يعتبر فيه ترامب ذلك الهجوم واحدا من أهم انتصاراته الكبرى.

وتراوحت ردود الفعل المبدئية من جانب المتنافسين على مقعد الرئاسة، بين الرفض المتحفظ من جانب أصحاب توجه الوسط، بإدانة عملية قتل سليماني، والذى يتهم بعضهم ترامب بعدم الحصول على مصادقة الكونجرس ويتساءلون حول الاستراتيجية الشاملة لإدارة ترامب، وحتى مقارنة هذا الأمر بإعلان الحرب.

ويعتبر بعض المرشحين أن ترامب يجر البلاد إلى أتون حرب جديدة ويتساءلون عن جدواها، ومن بين هؤلاء المرشح الديمقراطى السيناتور بيرنى ساندرز الذى قال إن "ترامب وعد بإنهاء الحروب التى لا تنتهى لكن تلك العملية تضع الولايات المتحدة على مسار حرب أخرى".

ويشكك بعضهم فى جدوى هذا التوجه ونتائجه، مثل جو بايدن نائب الرئيس الأمريكى السابق والمرشح الديمقراطى الأوفر حظا؛ حيث أعرب عن أمله فى أن الإدارة الأمريكية فكرت مليا فى تداعيات المسار الذى اختارته.

وفى السياق، قال آرون ديفيد ميلر، الباحث فى معهد كارنيجى للسلام الدولي، إن أسلوب المتنافسين على الترشح الانتخابى يتسم بكونه يعتمد على الانتظار.

ويضيف ميلر، الذى عمل من قبل محللا سياسيا بوزارة الخارجية الأمريكية، ومفاوضا فى ظل إدارات سابقة من الحزبين الديمقراطى والجمهوري، أنه "إذا ما ردت إيران بتفجير سفارة أمريكية، أو غير ذلك كضربة انتقامية، فسيكون الحكم على الأمر بأنه عمل متهور وغير مسئول".

ويقول "ما لم يكن هناك مثل هذا النوع من الرد الانتقامي، فمن الممكن أن يساهم ذلك فى تعزيز وضع الرئيس ترامب وشعبيته".

وقد تفادى مرشحو انتخابات 2020 على نطاق واسع المواجهة بين بعضهم البعض بشأن قضايا السياسة الخارجية فى الاستعداد للمرحلة التمهيدية للانتخابات، والتى سيطرت عليها السياسات المحلية، وجاء مقتل سليمانى ليضع رؤاهم لمثل تلك القضايا الخارجية على المحك.

ويعتبر بايدن أن مسيرته السياسية لمدة نصف قرن تجعله مستعدا للتعامل مع القوى الدولية منذ اليوم الأول من توليه الحكم.

أما بيت بوتجيج عمدة مدينة ساوث بيند السابق بولاية إنديانا، وهو واحد من بين اثنين من قدامى المحاربين ما زالا فى السباق الانتخابى الديمقراطى التمهيدى فى الطريق نحو البيت الأبيض، فيدفع بشهاداته العسكرية حتى ينأى بنفسه عن ترامب وعن منافسيه الحزبيين.

وفى غضون ذلك، فإن ساندرز وكذلك المرشح الديمقراطى تولسى جابارد، النائب عن ولاية هاواي، يستخدمان فى حملتيهما الانتخابية شعار "إنهاء الحروب التى لا تنتهي" فى منطقة الشرق الأوسط وسائر المناطق حول العالم.

ويشير ميلر إلى أن " فشل ترامب فى الحصول على مصادقة الكونجرس قبل توجيه الضربة الجوية يتجاوز كونه مسألة سياسية؛ لأن السياق الكامل للقرار الذى اتخذ فيه لم يكن ليسمح بمشاركة النواب الديمقراطيين فيه".

ويقول إن المناخ السياسى الاستقطابى الراهن يتسبب فى ردود حادة كان يمكنها أن تغيب فى عقود سابقة".

أما جيمس كارافانو الباحث بمؤسسة هيريتيدج فيرفض احتجاج الديمقراطيين بأن قرار ترامب كان تصعيدا؛ بسبب الوضع العدائى الذى تبنته إيران لأكثر من عام.

ويرى أن هذا كان استجابة بائسة من قبل منتقدى الرئيس ترامب، فسجل الرجل يحفل ببيانات صاعدة، ويراه الشعب رئيسا يزداد قوة وثقة، وعندما يسمع الناس عبارة "أمريكا أولا"، فإن هذا يعنى حماية المصالح الأمريكية بدلا من الاستمرار فى حرب لا تنتهي.

وأضاف "لا تعنى نشوة الإنجاز لترامب وحملته ولسائر الجمهوريين بعد مقتل سليمانى أن الانتخابات العامة ستشهد نفس تلك المشاعر، فالحروب تعتبر حقول ألغام سياسية بالنسبة لرئيس فى السلطة ينافس من أجل ضمان إعادة انتخابه والاستمرار فى البيت الأبيض لمدة ثانية".

وأشار إلى أن الحرب فى شبه الجزيرة الكورية بين عامى 1950 و1953 تسببت فى وأد طموحات الرئيس الأمريكى الأسبق هارى تومان لمدة ولاية ثانية، كما فعلت حرب فييتنام مع الرئيس ليندون جونسون أواخر قبل خمسة عقود.

فيما تقول أليسون بيترز نائبة مدير برنامج الأمن الوطني: "إن الرئيس ترامب كثيرا ما أبدى التزامه خلال حملته الانتخابية السابقة بسحب القوات من الشرق الأوسط، لكن ما شهدناه هو مضاعفة القوات الأمريكية التى ترسل للمنطقة، حتى جاء هذا القرار الأخير، والذى يطيح بالتعهدات السابقة، وهو ما يمثل تساؤلا كبيرا حول كيف سيؤثر ذلك على السياسات الأمريكية بصفة عامة فى المستقبل".