دبكة جبابرة!

أدركت منذ انشقاق الفلسطينيين عن بعضهما البعض أن "خابورا" قد دق "إسفينه" بين شعب عانى ويلات التشرد والغربة. في أحد أحياء عمان يقطن مجتمع لمدن فلسطينية من حيفا ويافا ونابلس وغزة، وأغلبهم يتوارث رمزا لا يزال هو الأمل الذي يعيشون من أجله للعودة إلى ديارهم.

جلست إلى جوار مسن يحمل بين طيات ثوبه العربي "مفتاح قديم" ضربه الصدأ لكنه يقاوم مثل صاحبه كل عوامل الطبيعة. نظر إلىّ وفي عينيه بريق من الأمل مشيرا إلى المفتاح.

"قفلنا الدار.. ونستنى نرجع" كثير من أبناء فلسطين يتحسسون بريق الأمل بمفاتيح أو قطعة أثرية أو حتى صورة لكن خيبة أملهم في مقاومتهم المشتتة التي اخترقها العدو لتصبح فصائل متناحرة حتى اليوم.

لم آت بجديد لكنني أكتب إيحاءات عن شعب يمثل أمة وشعب يقاتل أمم وشعب استنزف كل شيء إلا الأمل فهو مغروس في "شروش قلبه". ورغم أنه مغموس بماء القهر لكنه جبار في عنفوانه.

لا يمكن أن ترى فلسطينيا يعيش عالة على أحدهم، أكثر شعوب الأرض يحملون درجات أكاديمية مرموقة وفي المساء يقف البعض منهم على صاج فلافل أو "سحارة" بندورة يبيع من أجل لقمة كريمة.

في عمان لك أن تتخيل جلوسك مع شخص هو دكتور أطفال في الصباح، وبائع حمص أو زيت زيتون في المساء.

هم جبارون ولديهم صبر عجيب على مقاومة التآكل لمجتمعهم، لكن معاناتهم ليست في العمل أو الحياة أو حتى المكان لأنهم سرعان مايتأقلمون؛ بل في التفرقة التي يعيشونها مع فئة زادتهم شتاتا فوق شتاتهم الممتد منذ نحو ستين عاما.

جمعت فرقة "حماس" قواويد العرب بدلا من صناديدها وكل نطيحة ومتردية من لجل الانشقاق عن الصف العربي والفلسطيني وأوغلت في صدور المجتمع نفسه التفرقة بين غزاوي ومقدسي.

لن يحل وحدة الفلسطينيين سوى أنفسهم. البعض من أهل غزة المنجرفين خلف وهم المقاومة الفارغة يسيرون خلف سراب لا ينتهي ويعتقدون أن الدعم الإيراني هو من يحررهم ويقوي شوكتهم وهذا لعمري فراغ في العقول وطمعا في المال فقط وعلى "الغزازوة" تحديدا أن ينتفضوا ضد هذا العبث الذي يطلقون عليه حماس لأنه سيطر على عقول النشء وأوهمهم بتحرير القدس تحت راية الفرس.

على الشعب الفلسطيني القوي بعزيمته أن يوقف هذه التفرقة تحت مظلة الشرعية التي رسمها أبو عمار عليه شآبيب الرحمة -رغم اختلافنا معه فيما مضى في توجهاته الإقليمية التي منيت بخسارة فقدنا فيها قوة عربية تحت وطأة الفرس.

اليوم تنتشر المخيمات الفلسطينية في بيروت ودمشق وعمان، ويزداد شتاتها أنها تحت وطأة فصائل متناحرة لا يقتربون من بعضهم البعض حتى في التصاهر رغم أنهم من بيت واحد.

الفلسطينيون اليوم بحاجة أكثر من ذي قبل إلى اللحمة الواحدة لوحدة الصف. لن تقوم لهم قائمة وهم على هذا الحال حتى لو جمعت لهم كل كنوز الأرض. فقد تفرقوا في داخلهم وارتاح العدو من بنادقهم وشوكتهم.

فلا محافل العالم تستمع إليهم، ولا اخوتهم العرب يثقون بهم، لكن بقيت دبكتهم واحدة.