حفظ النعمة بين الثقافة والعمل

خبرٌ جميلٌ استبشرنا حين سماعه كثيراً، ورددنا شكراً شكراً شكراً لمن كان خلف هذا القرار، إلزام المطاعم وقصور وقاعات الأفراح بالتعاقد مع جمعيات حفظ النعمة، هذا القرار وإن جاء متأخراً نوعاً ما إلا أنه يدل على أننا لا زلنا نسير في المسار الصحيح، المسار الذي يشعر فيه المسؤول بأهمية اتخاذ القرار المناسب، المسار الذي يستمع فيه المسؤول لاقتراحات المواطنين ويتخذ ما هو مناسب منها.

لن أتحدث كثيراً عن القرار الذي يعلم الجميع بأهميته، ويدرك الجميع أيضاً الأسباب التي أدت إلى اتخاذه، فنحن نعترف بأننا وصلنا إلى مرحلة خطيرة في التعامل مع الأطعمة، ولن أقول الإسراف؛ لأن ثمة جهود تبذل في الخفاء ونحن لا نعلم عنها، خلف تلك الموائد الكبيرة والمناسبات الضخمة، فالأولى أن نتبين ما يدور خلفها من جهود ثم نحكم على ذلك.

وعدم الجزم بأن هناك إسرافاً في مجتمعاتنا فهو من باب التحيز للإيجابية والتفاؤل وحسن الظن، وعدم النظر للأمور جميعاً بنظرة سوداوية وزاوية تشاؤمية، فنحن لم نحضر جميع تلك المناسبات ولم ندخل في ردهات تلك المطاعم والقاعات حتى نجزم بما يحدث فيها، لذلك علينا أن نتثبت من صحة الأخبار أولاً، ثم نعلق عليها وننتقد ما كان منها سلبياً.

حديثي اليوم سيكون عن حفظ النعمة بين الثقافة والعمل، وقد كنت من أشد المنتقدين لظاهرة إقامة الفعاليات والمهرجانات الخاصة بالطعام، وما يحدث فيها من تصوير للأكل والتباهي بصنع الأطباق الكبيرة لتحقيق الأرقام القياسية؛ وكأن الطبخ والتزيين أصبح حدثاً تفرد له البرامج وتقام من أجله المهرجانات، وإن كنا مجبرين على التعايش مع هذا الوضع المستحدث؛ فعلينا أن ننشر ثقافة احترام الطعام وعدم الإسراف به، وألا ننتظر الحكومات حتى تقرر ما نفعل وما لا نفعل في موائدنا ومناسباتنا، فنحن أمة نعرف أحكام الإسراف وخطورة التباهي بالأطعمة في شريعتنا، وقبل أن تسن الأنظمة والقوانين التي تجبرنا على التعاقد مع جمعيات حفظ النعمة، لأن حفظ النعمة في الأصل هو أمرٌ ديني قبل أن يكون ثقافةً أو أمراً دنيوي يجب علينا أن نلتزم به؛ حتى لا نتكبد الغرامات ونقع في دائرة المخالفات.

وقد كتبت في مقال لم ينشر الأسبوع الماضي عن كثرة الفعاليات الخاصة بالطبخ وتزيين الطعام، وذكرت أن هذا مؤشر خطير على اهتمام البعض من الناس بالبطون في مقابل اهتمامهم بالعقول، فالجهود التي تبذل من أجل الارتقاء بالبشر وتنمية وتطوير ذواتهم، أصبحت هامشيةً بالمقارنة مع الجهود الخاصة بالطبخ والطبيخ، ولك أن تلقي نظرةً سريعةً في شوارع مدينتك أو قريتك ثم تتأمل في عدد المطاعم والمقاهي مقارنةً بعدد المكتبات الخاصة بالقراءة وتنمية الفكر، لا شك بأن الإجابة ستكون صادمةً والأرقام ستكون أكبر الأدلة على خطورة الوضع الذي وصلت إليه البشرية في هذا الزمن.

ختاماً يجب أن يكون حفظ النعمة امتثالاً لأوامر ديننا، وأن يكون سلوكنا هو شكر لله عليها، وأن نبارك جميع الجهود التي تقوم بها الدولة من أجل سن القوانين والأنظمة الرامية لعدم الإسراف، لأن ذلك سيؤدي في نهاية الأمر لتعزيز ثقافة حسن التعامل مع الطعام وأهمية شكر الله عليه، وخطورة التباهي به والإسراف فيه.