وقفة فكرية عن التنظيمات السرية.. بين الواقع والتحدي

من أساسيات استقرار المجتمعات السوية الانسجام الفكري الأيديولوجي بين أفراد تلك المجتمعات خاصة في خضم تلك الحروب الفكرية التي اتخذت من التقنيات الفنية الحديثة وسائل لترويجها تحت شعارات زائفة تدعي الحيادية وأفعالها وآثارها تناقض ذلك.

وإن من أقوى ما يعكر صفو وانسجام تلك المجتمعات السوية ظهور التنظيمات السرية ذات الطابع الأيديولوجي المتطرف وهيكلها التنظيمي والتي في الغالب لها اتجاهات سياسية أو دينية متطرفة ترفضها المجتمعات السوية لذلك فهي تتخذ من السرية طابعا لها تواجه بها هجوم الضد عليها.

هناك منظمات وحركات وجماعات انتهجت أسلوب العمل السري والخفاء والعمل تحت الأرض، ومن أشهر التنظيمات السرية: إخوان الصفا، الحشاشون، الماسونية، فرسان الهيكل، المافيات، كوكلوكس كلان، القاعدة، الأحزاب السرية، أجهزة الاستخبارات العالمية، داعش، الإخوان المسلمين، حزب الله، الحوثيين وغيرها كثير.

إن التنظيمات السرية المتطرفة تجمع ثلاثة مطالب في الغالب: برنامج للتغيير السياسي الذي تخطط له، وهوية محورها أن المؤيدين لذلك البرنامج يتمتعون بقدرة تامة على العمل المستقل والفعّال، وأيضا أن هؤلاء المشاركين لديهم المكانة السياسية التي تؤهلهم لمحادثة الجماهير حول القضايا التي تطرح لتوظيفها بما يعزز توجهاتهم المتطرفة، إضافة لدور وسائل الإعلام المعاصر في سهولة نقل المعلومات خارج النطاق الجغرافي لتلك الجماعات المتطرفة.

لقد أصبح استقطاب الشباب من قبل التنظيمات المتطرفة ذات أبعاد أمنية وسياسية واجتماعية وفكرية خطيرة على المستوى العالمي والعربي وخاصة المجتمعات الخليجية، مما يشكل تحديا وتهديدا لمعظم دول الشرق الأوسط والتي تتطلب من المختصين كلا بحسب مجاله كشف عملياتهم للحد منها، والعمل على إيقاف اعتناق ثقافة الموت والانسياق نحو التطرف والغلو، وتحقيق أهداف تلك الجماعات المنحرفة.

وقد نشطت التنظيمات السرية خلال الفترة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة المنصات المشفرة كـ"تيليجرام" بسبب ما يوفره التطبيق من مزايا من أهمها: قوة التشفير الخاصة بها بصورة تجعل المراسلات عليه أكثر أمنا وسرية ومن ثمّ يصعب اختراقه من جانب الأجهزة الأمنية.

ناهيك عما يتيحه التطبيق من إمكانية تحديد الجمهور المستهدف بدقة مقارنة بتطبيقات أخرى يمكن سهل يصل الجمهور العادي فضل عن تكشف المراسلات فضلا عن الراسل والمتلقى، لدرجة جعلت البعض يطلق عليه عام 2013 بخاصية تشفير الرسائل من طرف إلى طرف، وظهرت بصمات التطبيق في العديد من الهجمات الإرهابية التي شهدتها دول مختلفة، على غرار هجمات باريس 2015، وهجوم سوق عيد الميلاد في برلين 2016، وتنوعت توظيفات تطبيق "تليجرام" في هذه الهجمات وغيرها.

وفي الختام: لا بدَّ وأن نعزز في المجتمعات السوية الوطنية القيم التي ترسخ للمبادئ الحامية بعد الله للفكر مما قد يضر به أو يهدد أمنه من حيث الاقتناع والثبات، وهي بمثابة صمام الأمان من العوامل الخارجية المعادية للسلم الفكري، وبقدر ضمان التحصين الفكري بقدر ضمان الاستقرار والأمان الاجتماعي والديني والاقتصادي والسياسي.

حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وحسد الحاسدين

انتظروا المقال القادم: برنامج "Tik Tok مهدد فكري أم معزز اجتماعي؟