الحب في زمن الكورونا

في زمن الكوليرا أصغت الحيلة بعد تمنع وأصاخت بعد إعراض إلى عامل التليغراف (فلورنتينو أريثا) بطل الرواية الآسرة للعبقري غابرييل جارسيا ماركيز.
فنجح أخيراً حين بقي وأبقى على السفينة الموبؤة زيفاً تجوب نهر (ماغدالينا) رافعة علم الوباء الأصفر وقد أقنع الجميع بإنتشار وباء الكوليرا على سطحها، وإلى جانبه (فيرمينا دازا) بطبيعة الحال وقد فعل ذلك فقط ليبقيها إلى جانبه، وهو الزيف الذي صنع الحقيقة.

في هذا العمل الأدبي سبر غارسيا الخبير في أدب الرواية أغوار النفس البشرية وذهب عميقًا ليكشف عن قدرة الخوف على عسف الرفض وردم الهوة التي تفصل المتنافرين مهما أتسع عمرها ورحب أمدها وربما ترويض البغض أيضًا.

ذلك التقارب الذي يصنعه الخوف يأتي صادقاً حقيقيًا فيأتي على كل دعي، ويُسقط مازيفه الكبرياء، ويذيب التخرص، ويتداعى على أعتابه الوهم، فيُقوم البناء الإجتماعي الذي أمالته الصراعات ويعود ببني البشر إلى تلك النقطة التي يستشعر كل منهم إنسانيته وضعفه معاً بالرغم مماوصل إليه العقل البشري من كشوفات علمية ستغدو بلا فائدة أمام جائحة مازال ظلالها يتمدد.

فسيكلوجية الخوف وردة الفعل للجهل بالحال ومآلاته تخفض التعالي وتعيد تشكيل فسيفساء المجتمع البشري إلى سمت متوازن إستغلق رسمه على العرف الأخلاقي وفضائله وأشكل على أدب التعايش ومقاصده.
ونحى إلى مابدا أنه سلوكاً جمعياً وأنظمةً حياتية تذهب بالمجتمع البشري نحو مزيد من التفسخ والتباعد، في ذات الوقت الذي تضيق فيه مساحة العالم ليصبح قرية صغيرة.

ولذلك نلحظ هذه الجائحة وهي تدير دفة العلاقات البشرية نحو تكاتف وإصطفاف وتعاون ظل وسيظل رهنًا بالأزمات، وكأن تآزر بني البشر عالق في براثن الملمات مرتهن إلى قبضتها.

وبالرغم من أن دافع المنحنى آني وزائل كما تقضي سنن الله الكونية وقوانينه ‫جل وعلا إلا أنها مرحلة مراجعة مهمة يؤمل أن تفضي إلى أجمل مما آلت إليه كوليرا فلورنتينو المختلقة على مستوى المجتمع والعلاقات الثنائية، ليمسي الحب في زمن الكورونا مرجعاً للشعور الإنساني بعد إنقضائه الجائحة.