تحرر من عبوديتك

ليس ثَم عاقل لايدرك أن الفلسفة تدفع بإتجاه إعمال العقل وإشتغال النهى وإبقاء جذوة التفكير على قدر من الإشتعال يرضي من أراد أن يتدثر من سنائها ويقتبس من ضيائها، وبأنها أيضًا تدعو إلى خلق فضاء رحب يزاول الآخرون فيه حرية الرأي.

ولذلك كانت المناظرات الجدلية والبحث الفلسفي عن الحقيقة أول ماولد عن الفلسفة في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد أي حين نشأتها في اليونان القديمة وبدأها آنذاك سقراط والسفيطائيون كما نقل أفلاطون في كتابه (يوثيديموس) الذي تحدث فيه عن الجدلية والبحث الفلسفي الذين هدم من خلالهما سقراط أسس الفكر السفسطائي الذي أقام بروتاغوراس بناءه.
وهو الحدث الذي أذكى روح التساؤل وأكسب الجدلية المنطقية قدرةً على تفكيك الفهم السائد فتهافت عليها اليونانيون ومن جاء بعدهم.

لكنها آي (الفلسفة) ذهبت في محاولاتها لإكتشاف نظم حياتية قويمة ووضع قوانين إجتماعية حصيفة ودراستها للميتافيزيقيا والكينونة والصيرورة إلى إغفال مايُعنى بالفرد والحديث بالعقل الجمعي نيابة عن العقل الفردي فجآت في جل مفاهيمها بما يقيد الفرد إلى الجماعة ويلزم القليل بالكثير وربما لذلك عرف الفيلسوف الفرنسي مونتيسيكو الحرية بأنها الحق في عمل ما لا يضر بالغير.
وهو بطبيعة الحال حق ذهب الألماني الحكيم هيغل فيه إلى قول متطرف إذ إعتبر أن الناس ينالون الحرية حين يؤْثِرونها على الحياة.
قول ذو رداء ثوري قد يتوائم مع الراديكالية أكثر من موائمته لحكمة الفلسفة وتؤدتها وآناتها وسعيها لإعمال العقل.
وبالتأكيد لايحفل بحرية الفرد ويلصقها عنوة بغاية سائدة وعادة جارية. ما أورث العقل البشري إعتقاداً بأن الشائع هو الحقيقة، ولذلك يزاولها الآخرون.

وقد ذهب إلى ماذهب إليه هيغل أو إلى بعض منه كثر بإمكان القارئ الكريم أن يستعرض ذلك بأدوات البحث الوفيرة.

ومن هنا نشأ إعتقادي بأن الحرية تنال عندما يصبح أحدنا غير معني بإبهار الآخرين ولامهتم بإدخال الدهشة إلى عقولهم وهو مفهوم فردي يحترم إنتماء الإنسان إلى قناعاته وإنحيازه إلى قيمه ويحرره من القيود التي تكبله بمن حوله وتعينه على التخفف من وثنية العادات والتبتل وزيف بعض القيم المجتمعية وتعفيه حرج مزاولتها لمجرد أنه ورثها عن أسلافه، ومن ثم سيفضي ذلك إلى ترابط إنساني أجل وأسمى، وقناعات مجتمعية تحقق إستقلال الفرد وتمنع إضراره بالغير.
ويؤدي ذلك إلى تنظيم العلاقة مع الأخر بما يتوائم مع القانون.

وهو ماستفضي إليه عملية إستصلاح مجتمعي واسعة يقودها نخب المجتمع من خلال إضطلاعهم بدورهم التنويري وإرتقائهم بالمادة التي يقدمونها إلى مستوى فلسفي رفيع، ويسهم في نجاحها كل فرد عبر إلتزامه بما يحقق مصلحته، بدءًا بإدراكه معنى المسئولية وليس إنتهاء بمعرفته واجباته تجاه وطنه.