المملكة والدور الإنساني

"وعند جهينة الخبر اليقين" مثل عربي ضارب في التاريخ. واليوم نقول: عند (هاني الجهني) الخبر العظيم.

الدكتور (هاني) عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم، متخصص بجراحة المخ والاعصاب؛ مبتعث للزمالة في فرنسا.

وقد تصدّر إسمه الأخبار، خلال الأسبوع الفائت. لأن ماقام به يستحق التغطية الإعلامية الواسعة. لحظة تاريخية، واجهها الدكتور (هاني) بإيمان المسلم، وثقة الطبيب، وشعور العربي، المحب لوطنه وأهله.

والعملية، التي أجرها، لفتاة كويتية كانت دقيقة.

والاعجاز، ليس فقط في مكان الورم وكونه ملاصقاً للاوردة الرئيسية، المغذية للمخ، بل الإعجاز في أنه وافق على إجراء العملية بعد أن رفض إجراءها أمهر الجراحين في مستشفى مدينة (كولمار) في فرنسا بسبب تفشي كورونا.

لقد وافق الدكتور (هاني) بعد أن تواصل معه شقيقها، وشرح له معاناتها مع الورم، وتأجيل العملية، التي كانت مقررة، ومستكملة لكل الفحوصات.

وجاء قراره بالموافقة، شجاعة، وإيمان، وثقة، وإحساس بالمسئولية. وهذه أخلاق عميقة في الوجدان العربي، ترجمها (هاني الجهني) بحرص وإهتمام؛ عندما سعى إلى اقناع المستشفى، الذي يعمل به، على إجراء العملية، على مسئوليته الخاصة.

الدكتور (هاني الجهني) ابن بار بوطنه ومهنته يمثّل بإلتزامه وإنسانيته، آلاف الأطباء السعوديين، الذين نفخر بهم.

ونسعد عندما نراهم يملأون مواقعهم في المستشفيات الحكومية والخاصة، ليؤكدوا للداخل والخارج، أن العلم والتخصصات الدقيقة يمكن توطينها، كسائر المهن، وأن "السعودي"، الذي يجري عمليات القلب المفتوح، أو جراحة المخ والاعصاب، في ارقى المستشفيات العالمية، قادر على كل المهن الأخرى.

نقول هذه العبارة تحديدا للقطاع الخاص، الذي مازال بعضه، يشكك في قدرة ابن الوطن، ولا يمنحه كامل الثقة.

التفاصيل الأوسع لخبر العملية، التي اجراها (د.هاني)، قرأها الكثيرون. والتعليق عليه هنا، من أجل، تأكيد المكانة، التي وصلنا إليها.

وتسليط الضوء أكثر على تفاصيل مهمة، في ثنايا القصة. فالدور النبيل هنا، هو الذي يجب أن نتأمله، وندرك من يقف وراءه.

لاشك أن شخصية الدكتور (هاني) وتعامله الانساني هو حصيلة تربيته والديه، وأخلاق مجتمعه، وسلوك عام، يرسم ملامح أبناء الوطن.

الوقفة الانسانية، في هذا الوقت العصيب، لايقوم بها، إلا من امتلأ صدره بالايمان، وعقله بالعلم، ونفسه طابت، بطيب معدنه، وأصله.

وإجراء عملية دقيقة في المخ، هو إنجاز للوطن، قبل أن يسجّل بإسم الدكتور (الجهني).

التاريخ يسطّر، كل يوم، فخراً جديدا للوطن، وإنجازاً على يد أبناءه. وإذا كانت الدول العظمى، تتباها بقوتها، فنحن، وقبل أن نتباها بقوتنا، وقدرتنا، ومكانتنا، فإننا نتباها برسالتنا الإنسانية؛ التي تلامس آلام العالم، وتطبّبها.

دورنا في رسم الإبتسامة على وجه البشرية، وزرع الأمل في نفوس، اتعبها المرض، ليس جديداً؛ ومقال واحد، لايكفي لشرحه؛ ويكفي أن نشير إلى دور "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" العالمي.

لنترك القارئ يتأمل حجم العمل الإنساني، الذي تقوم به المملكة. والذي آمل أن ينطلق عمل إعلامي، يٌبرز تلك الجهود، بشكل أوسع.

هذا الجهد الإنساني الخالص، واقع، يعيش على ضفافه الكثيرون، من ارجاء العالم؛ الذين وجدوا في المملكة، ملاذاً تنتهي فيه معاناتهم؛ واستطعموا معها الحياة.

دور أبناء الوطن، في الخارج، من أطباء، ومهندسين، ورجال اعمال، هو جزء من دور المملكة الريادي، عربيا واسلاميا ودوليا.

بفضل الله وتوفيقه، مخزون مكارم الاخلاق هنا، يفوق حقول النفط والغاز، ومناجم الذهب والفضة. خزائن الله في جوف الأرض. وأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم يستمد منها أبناء الوطن أُطر علاقاتهم وتعاملاتهم.

ثراء اقتصادي وأخلاقي، نصدّره للعالم.