أردوغان يحول السوريين إلى حطب النيران التي يشعلها في ليبيا

لم ينتظر العالم طويلا لكشف ما كان يعنيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخل لحماية حلفائه في حكومة الوفاق الليبية "فايز السراج"، بعدما عقد اتفاقية وصفتها دول العالم بالباطلة لتقديم الدعم العسكري.

بعد أسابيع من عقد الاتفاقية التي تعطي الضوء الأخضر لأردوغان كهدف أولي لوضع يده على حلم سرقة غاز البحر المتوسط من باب ليبيا، كشفت تقارير منظمات سورية، من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن تركيا تدفع رواتب باهظة لمرتزقة سوريين قدرت عددهم بـ3000 للزج بهم في الحرب ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر في ليبيا.

وفي وتيرة أخبار متسارعة من ليبيا ومراصد حكومية رسمية خارجها، توالت أخبار أعداد المرتزقة السوريين الذين دفع لهم أردوغان أجورا لتحقيق هدفه المنشود من الصراع الليبي.

في منتصف مارس من العام الجاري،كشفت مصادر عسكرية ليبية رفيعة عن أسماء الطاقم التركي المسؤول عن جلب الطائرات المسيرة والمرتزقة السوريين إلى ليبيا.

وقالت المصادر، مفضلة عدم الكشف عن هويتها كتدابير احترازية، إن الضباط الأتراك في ليبيا يسيرون وفقا لتعليمات الجنرال "يشار قولر" مسؤول الملف الليبي بتركيا، وهو من يقدم لهم الدعم والمعدات الخاصة، وفقا لموقع قناة العين الإماراتية.

وأضافت أن تركيا نصبت "الباي تاراكان"، وهو مقدم بالجيش التركي من القوات الخاصة، المسؤول الحالي عن مدافع الهاون الموجهة وطائرات الدرونز المسيرة، وأوضحت أن "تاراكان" هو المسؤول الآن عن غرفة العمليات التي تستخدم صواريخ جديدة تحت اسم "القاهر 1" و"فتح 1" التي يتم تصنيعها في تركيا.

وتؤكد المصادر أن "تاراكان" يعمل وفق استراتيجيته تقوم على فتح ثغرات للمليشيات، وتأمين تقدماتهم، ولذلك يستخدم غرفة عمليات متنقلة وليست ثابتة بمكان معين ليكون قريبا من المحاور وتتم حمايته عبر مجموعة خاصة تعرف بـ"النواصي" تعمل ضمن كتيبة "المرسي" في مصراتة، غربي ليبيا.

وأشارت إلى أن أبرز قيادات المليشيات السورية والمرتزقة والمسؤول عن ترحيلهم إلى ليبيا شخص يدعى العقيد عبدالسلام حميدي الملقب بـ"أبوحسام" من مدينة حلب السورية، ويعد مسؤولا بارزا بغرفة العمليات المشتركة بين الجانب التركي وحكومة الوفاق والمليشيات الموالية لها.

أما المسؤول عن جلب المرتزقة السوريين من سوريا ونقلهم إلى ليبيا عبر تركيا فهو محمد الجاسم أبوعمشة وهو سوري من مدينة دير الزور، من مواليد ريف حماة الشمالي عام 1985، ويتولى قيادة فصيل اللواء "السلطان مراد" الموالي لتركيا، حسب المصادر نفسها.

طائرة تقل المرتزقة

أعقاب ذلك لم تكن مفاجأة أمام العالم، الفيديو الذي بثته وسائل إعلام عربية، نقلا عن مصادر بالجيش الوطني الليبي، وأكدته منظمات دولية في وقت لاحق، أظهر عددا كبيرا من السوريين وأشخاص من جنسيات أفريقية يرتدون ملابس عسكرية، محملين على متن طائرة، قال أحدهم إنهم ينتقلون إلى أرض ليبيا لنصرة خليفة المسلمين "أردوغان".

دوى الفيديو، الذي تم تأكيد صحته فيما بعد، حول العالم وتناقلته وسائل الإعلام، وبالطبع غضت عنه الطرف وسائل الإعلام التابعة للنظام التركي تماما، حتى خرج الرئيس أردوغان بنفسه واعترف بإرسال قوات إلى ليبيا للقتال إلى جانب حلفائه طبقا للاتفاق بينهم، لكنه تنصل من كشف أي نوع من القوات يقصد.


جانب من فيديو نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا

تفاصيل إرسال المرتزقة

وفقا لتقارير وسائل إعلام أجنبية نشرت في منتصف أبريل من العام الجاري، ومنها صحيفة الجارديان البريطانية، أشارت تقديرات مصادر عسكرية إلى أن عدد المرتزقة الذين أرسلهم أردوغان إلى غرب ليبيا، يتراوح عددهم بين 1500 و3000 مقاتل, إضافة إلى العشرات من القوات التركية النظامية وبينهم عناصر من القوات الخاصة.

تمركزات المرتزقة السوريين في ليبيا حلو النحو التالي في طرابلس: عين زارة، ومشروع الموز، وكوبري الزهراء، والسواني، وقاعدة معيتيقة، ثم في أماكن أخرى: على حدود مصراتة الشرقية، ومعسكر بسيس بالخمس، وجادو بالجبل الغربي، ومعسكر العسكة قرب الحدود التونسية.

أردوغان خدعنا


ظلت أخبار إرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا تتواتر على مدار شهور، كل التقارير تشير إلى تزايد في الأعداد والعتاد على نحو كبير، وأيضا إلى قتل الجيش الليبي عددا كبيرا منهم في الحرب الدائرة.

وفي 20 من مايو الجاري، وفي تسجيل صوتي، اعترف أحد المرتزقة السوريين، الذين نقلتهم تركيا إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق، عن وجود حالة تمرد في صفوف المقاتلين السوريين بالعاصمة طرابلس، بعد خداعهم وإرسالهم للموت والهلاك مقابل رواتب وهمية.

المكالمة هاتفية للمرتزق السوري مع أحد أصدقائه، نشرتها حسابات تابعة لفصائل المعارضة السورية، قال فيها إنه "يتواجد في طرابلس حاليا، وأن الحديث عن أن رواتب المقاتلين السوريين في ليبيا تصل إلى 2000 دولار غير صحيحة، مؤكدا أن الرواتب بحدود 4000 ليرة فقط (566 دولارا)، وأن من لديه واسطة يحصل على 6000 ليرة تركية (849 دولارا).

وأضاف أنه وزملاءه يتعرضون للقتل يوميا، مشيرا إلى أنه تم وضعهم في مقرات قريبة من تمركزات الجيش الليبي و تتواجد في مرمى نيرانه، لافتا إلى أنها تتعرض للقصف بالهاون، حتّى إن ضربة واحدة استهدفت إحدى مقراتهم أدّت إلى مقتل 6 عناصر منهم.

وأكدّ المرتزق أنهم يشعرون بخيبة أمل كبيرة، مشيرا إلى وجود حالة تمرّد في صفوف المقاتلين السوريين وعدم رغبة في مواصلة البقاء في ليبيا، حيث أكدّ أنهم تركوا القتال وسلموا أسلحتهم، وهم ينتظرون تسفيرهم إلى بلادهم.

وقتها أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن خسائر بشرية كبيرة وقعت بين عناصر المرتزقة السوريين، الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، خلال العمليات العسكرية في العاصمة طرابلس، مشيرا إلى ارتفاع حصيلة القتلى إلى 268 مقاتلا.

وأضاف المرصد أن تركيا مازالت تنقل المرتزقة السوريين، من الأراضي السورية إلى ليبيا، رغم أن غالبية الفصائل المسلحة لم تعد لديها رغبة في إرسال مقاتليها إلى ليبيا، في ظل الوضع الميداني هناك، مؤكدا أن عدد المرتزقة الذين وصلوا من سوريا إلى ليبيا بلغ 8 آلاف، في حين لا يزال أكثر من 3 آلاف يتلقون التدريبات في المعسكرات التركية.

إدانات دولية

إلى جانب إدانات دول المنطقة وعلى رأسها مصر للتدخل العسكري التركي لاحتلال ليبيا، وأطراف لها علاقة بالحرب ومصالحها في البحر المتوسط (اليونان، وقبرص)، توالت الإدانات الدولية لرفض التدخل التركي في شؤون ليبيا.

مؤخرا، أدانت منظمة الأمم المتحدة، استمرار تركيا بنقل المرتزقة السوريين، من بينهم أطفال دون السن القانونية، للقتال في ليبيا إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق في معارك طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي، بما يقوض المساعي الدولية لإرساء السلام في البلاد.

وحذر مبعوث الأمم المتحدة بشأن سوريا جير بيدرسون، من نقل مقاتلين من سوريا إلى ليبيا، معتبرًا أن نقل المسلحين إلى محاور القتال أمر مزعج بشدة، وامتنع عن التعليق حول أعدادهم.

جاء هذا في وقت قدرت فيه تقارير دولية أن عدد المرتزقة في ليبيا وصل إلى 9 آلاف مقاتل بين سوريين ومسلحين متشددين من جنسيات مختلفة بينهم عناصر من منظمة داعش الإرهابية.

وعلى صعيد آخر، كرر بيدرسون رسالته الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي فى حث الولايات المتحدة وروسيا على التحدث بشأن إعطاء دفعة للسلام بين الأطراف السورية.