الإعلام .. إلى أين

نشهد في هذه الأيام تضارب في الأراء والتوجيهات من مصادر رسمية مختلفة وعلى أكثر من صعيد، لا يمكن فهم هذا الاختلاف إلا أنها أخطاء فادحة من العاملين عليها، ولكن استمرار هذا التخبط جعلني أتساءل ما هذه الخطة الغير محكمة المتبعة الآن؟، أقرب تفسير لذلك أن ما يحدث الان هو مجهودات شخصية تعتمد على رؤساء القنوات أو رؤساء تحرير الصحف محاولين تحقيق الأهداف الموضوعة، ولأن كلٍ منهم يغني على ليلاه ، نشاهد عبث لا يمكن ضبطه من شخص او حتى مجتمع، فتظهر لك أراء أحيانا مخالفة لأهداف الدولة!، وعند المساءلة يبررها رئيس التحرير على أنها حرية رأي!.

وهنا تأتي معضلة ما هي حرية الرأي وما هو التخبط الإعلامي؟، يجب أن تحدد الجهة أولا ما اذا كانت منبر رسمي أو خاص وعليه يظهر ذلك في أدائها، أما التمويه الحاصل أراه خلط ينفّر المتابع أصلا، بل أن هذه الممارسات ستضع أصحاب هذه المنابر في مأزق لأنها ستظهر وكأنها رأيها الرسمي وليس رأي فرد.. والعكس.

نعم يحق للحكومات أن تبني اعلامها الخاص بها لنستقي منها معلوماتها المعتمدة ورؤيتها التي تعمل عليها وما الى ذلك، وحتى تسلط الضوء على إنجازاتها ومبادراتها، أيضا هي طريقتها الأفضل للتواصل مع شعوبها، ولأنه (لا يفعل المرء فعلاً الا كان له هدفاً ) وعليه .. نقول ان الاعلام الرسمي بالطبع لديه أهداف تصب في مصلحة مواطنيه، مثلا كالأمن والاقتصاد والسياسة وأيضا المجتمع، يكون ذلك باستخدام السلطة الرابعة الناعمة والمؤثر الأقوى في الشعوب، وبالتالي سيكون لديه خطة استراتيجية حتى تضبط الأداء الإعلامي بشكل متناغم وسلس وفعال لتحقيق هذه الأهداف .. ولكن كيف نفرق بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص المستقل؟

دائما ما نقول انه لدينا سقف حرية في الإعلام وهذا يعني أنه يحق لأي فرد بناء قناته الثقافية أو الفنية أو حتى الإخبارية كما يرى طالما انه يتبع قوانين الاعلام، ولكن لماذا يستحيل ذلك؟، بل أننا شهدنا في فترة سابقة وجود برامج ناقدة على الشبكة العنكبوتية بشكل ساخر – وهي الطف النقد – حققت مشاهدات عالية وتفاعل غير مسبوق، لكن لم تلبث الا وان توقفت ولا نعلم ما هو السبب، قد تكون مشاكل اقتصادية.
يأتي هنا تساؤل .. أين نمارس حرية الرأي الخاصة والتي قد تخالف أحيانا العرف السائد؟، على حد علمي أن حرية التعبير حق مكفول للجميع سواء تتفق معه أو تختلف، السؤال هنا: هل يمكن أن توجد صحف مؤسساتية مستقلة ومملوكة من أفراد ليس لهم علاقة بالسلطة حتى لا يطولها ما يسوء غيرها؟
نعود لمسألة الخطة الاستراتيجية الإعلامية الرسمية، والتي أصبحت مهمة في العصر الحالي الذي أصبح الإعلام فيه هو "أرض المعارك" الحالي بين الحكومات والشعوب، لذا وجب وضع خطط موزونة مقننة للأداء -وليست متحكمة فيه- لمواجهة أي هجمة بحكمة وإدراك، مبتعدين عن التصرفات الانفعالية و"الشوارعية" في مواجهة أي سوء، فالإعلام يجب أن يكون الصورة الراقية للأوطان، وعدم السكوت عما يحدث من تصدير صورة غير سوية من بعض الأفراد المجتهدين عبثا وجهلا.

"التحالف" الإعلامي بين منظمات اعلام الدول المعادية هو ما يجعل الاشاعات والاكاذيب حقيقة لا يمكن نكرانها، إذا كنت لن تفهم مقصدي فأطلب منك أن تعيد مشاهدة أي هجمة إعلامية ضد جهة معينة او دولة، ستجد أنه هناك أكثر من منبر إعلامي يأخذون أخبار بعضهم كمصادر فيصدق المشاهد لا اراديا ان الخبر حقيقي، وهنا تمارس لعبة التأثير في الجماهير وهذا علم بحد ذاته ويجب ان يكون على أي إعلامي دراسة هذا العلم كمسار يؤهله ليقود إدارة المحتوى، ما يحدث الان في الاعلام الخليجي بالتحديد هو استراتيجيات التسويق ويعاملون الأفكار وكأنها مواد استهلاكية وهذا خاطئ، وما نراه ما هو إلا باعة الكلام و أيضا تجار الأفكار التي قد تكون مسروقة في بعض الأحيان !، الخطة التي نريدها الآن هي استراتيجيات التأثير فقط.

اسمحوا لي أن أنهي مقالي بسؤال: هل لدى الاعلام السعودي الرسمي خطة أصلا!